رفع أسعار الدخان
يرى بعض الناس أن رفع أسعار بعض المنتجات الضارة سيقلل من انتشارها وتعاطيها، هذا صحيح إذا كان رفع الأسعار متوازنا، أما إذا جاء مبالغا فيه فالأمر فيه نظر. سمعت أن وزارة التجارة رفعت أسعار الدخان، وسمعت أيضا أن الوزارة نفت ذلك.
لا شك أن الدخان مادة ضارة، فهو المادة الوحيدة التي يستهلكها الإنسان بعد المخدرات من دون أن تنطوي على فائدة واحدة، حتى المتعة الزائفة التي تقدمها المخدرات لا يوفرها الدخان. لا يوجد ما يغري في الدخان سوى طيش الشباب، ثم الإدمان لاحقا ربما حتى نهاية العمر. الإنسان تتحكم فيه نوازع كثيرة، وما الحكمة إلا واحدة منها. القوانين لا يمكن أن تحد من السلوكيات السلبية، فالأمور في بعض الأحيان حقوق فردية، والإنسان مسؤول عن نفسه. لا تستطيع دولة تحترم أبسط حقوق الإنسان أن تمنع وتجرم تعاطي الدخان إلا إذا تذكرنا "داعش" ومن يفكر بعقلية "داعش".
لك أن تتخيل أن سعر "بكت" الدخان 40 ريالا، كما قالت الإشاعة، كم إنسانا سيتوقف عن التدخين. أشك أن تكون نسبة كبيرة. ستنشأ مصادر جديدة لتوفير الدخان. سيصنع داخليا بصورة غير قانونية وبجودة رديئة تكون أكثر ضررا من الدخان المستورد. سيخلط عباس على دباس وسموم وربما مواد مخدرة. سيشتري رئيس عصابة التصنيع الـ"بكت" بـ40 ريالا، ويخلط معه سموما ثم يبيعه بأضعاف سعره. رضينا أم أبينا ستنشأ عصابات تهريب. هذا السعر المبالغ فيه سيشجع المغامرة مثله مثل المخدرات. وإذا لم يدرج تهريبه وتصنيعه ضمن المواد الخطرة فسيصبح تجارة رابحة. سيضم في تجارته أنصاف المجرمين والفقراء المحتاجين وصغار السن. سننتقل من قضية صحية فقط إلى قضية أمنية وصحية وأخلاقية في الوقت نفسه.
القوانين التي تمس حياة الناس وأخلاقياتهم يجب أن تدرس بعناية، أن تدرسها أكثر من جهة، وأن يشارك الإعلام في مناقشتها، وأن يضع المشرع الفوائد والمضار حتى إن كان الهدف النفع العام. منع الدخان من التداول شيء رائع نظريا، ولكن ماذا سيترتب على المنع؟ أي مادة يمنع تداولها يجب أن ندرس الضرر من المادة ذاتها مقابل الضرر الذي سينتج من المنع. القوانين لا تبنى على المثاليات وإلا لأصبح البشر ملائكة. ثمة مواد كثيرة تسبب أضرارا كبيرة للإنسان، ولكن لا تجرؤ دولة في العالم على منعها. الأكل السريع (الهامبورجر والبيتزا والدونات) أفضل مثال. ضرر هذه الأطعمة قد يتعدى ضرر الدخان في بعض الأحيان.
المنع مشكلة، ورفع الأسعار مشكلة، والبقاء على الأسعار القائمة مشكلة أيضا. هنا تتجلى شجاعة المشرع وحكمته وسعة خياله..
بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض