ثقافة التحرش
سمعت أن عقوبة التحرش تصل إلى سنتين سجناً وغرامة مئة ألف ريال. لا أعلم دقة هذه المعلومة ولكنها معقولة ويجب أن تطبق بحزم لا يلين. لا يتوقف أثر التحرش عند حدود الاعتداء نفسه، فجريمة التحرش ليست ككل الجرائم الأخرى. أشبه بالاعتداء على قيمة المرأة نفسها، أولى ملامحها أن المعتدي يحتقر المعتدى عليها كجنس، هذا الفيديو الذي شاهده الناس على السوشل ميديا شاهد على هذه النزعة، المعتدي لم تغره المرأة، كانت المرأة بكامل لباسها السعودي التقليدي، والثاني أنه صادفها بسرعة لا تسمح له تكوين أي فكرة عنها، هي مجرد امرأة وحيدة وهذا كافٍ بالنسبة له أن يقوم بما قام به.
من يدعي أن المرأة تشارك في الاعتداء على نفسها بتشجيع الرجل بطريقة لبسها أو عطرها إلخ فهذا الاعتداء يرد عليه.. كانت المرأة ترتدي ملابسها باحتشام.
مسألة التحرش تكمن في الرجل لا في المرأة، كيف ينظر مثل هذا الرجل للمرأة وما الثقافة التي تصيغ علاقته بها؟ اعتاد هذا الرجل وتربى على أن واجب المرأة أن تختفي عنه بالكامل، لا تراه أو يراها سوى في البيت. المرأة في حياته امرأتان الأولى محارمه أمه وأخته.. إلخ، والثانية زوجته أو زوجاته، قطيعة كاملة مع جنس النساء، من تخرج وتتجول في الأسواق مشكوك في أمرها، يعود الأمر لتقييمه: إما أن يطأطأ رأسه ويشيح بنظره عنها، أو أن يحاول معها لعله يصيب منها شيئاً، أو أن يتحرش بها، المرأة في ثقافته ليست عاملة وليست منتجة وليست أستاذة وليست إنساناً له متطلبات ترفيهية وليست في حاجة أن تخرج من البيت تروح عن نفسها، المرأة في ثقافته عليها أن تنتظر في البيت لا تبرحه إلا عند الضرورة. المرأة في نظره لا استقلالية لها حتى في أدق أمورها، عليها أن تلبس لإرضاء زوجها وأن تطبخ حسب ذوق زوجها وأن تصحى وتنام حسب مواقيت زوجها وأن تصادق من النساء من يقرهن زوجها وأن تقرأ الكتب التي يجيزها لها زوجها.
هذا المتحرش لا يرى نفسه قد اعتدى على إنسان يمتلك نفس الحقوق التي يمتلكها هو، سمع آلاف الخطب التي تدينها عندما تمشي في الشارع وتذهب وحدها للسوق وتتصرف بوحي من أنوثتها، تعلم أن المرأة خارج المنزل سجين فر من سجنه أو أن سجانها مستهتر لا يستحق الاحترام.
التحرش المدفوع برغبة إجرامية لا يميز بين امرأة شابة وامرأة في الثمانين من عمرها.. ما يدفعه لارتكاب جريمته مرض لا يختلف عن الأمراض النفسية التي صنفها العلماء.
لجعل التحرش في أدنى حالاته علينا أن نعيد تربية كثير من الرجال (والنساء أيضاً). بناء ثقافة تؤصل أن المرأة شقيقة الرجل وشريكته في البيت وخارج البيت.
بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض