يا من تجاوزت الأربعين.. العالم يتغيّر؟

يعيش مع جيل الشباب الحيوي اليوم جيلان كاملان تقريبا وضعتهما المستحدثات المتسارعة وسط دوّامة الحيرة والدهشة من كل شيء حولهم. الجيل الأول وهو الأقدم تمثّله بقيّة من ولد ربما في الأربعينيات أو في حقبة الخمسينيات وما بعدها. أما الجيل الثاني فالمقصود به مواليد أواخر الستينيات وقسما من السبعينيات والذين يديرون القرار الإداري والاجتماعي اليوم.

بعض الجيل الأقدم اختار أن يعيش على هوامش السؤال والاحتجاج عجزا أو رفضا لمحاولات دمجه فكريا في كثير من المتغيرات منسحبا شعوريا ولا شعوريا عن كثير ممّا يجري حوله. أمّا الجيل الثاني وهم في غالبهم مواليد السبعينيات وربما قبل أو بعد ذلك بقليل فالأمر يبدو أقل حدة لديهم. ولكن الإشكالية معهم وأمامهم أن الاستيعاب الفردي الذي منحوه للتغير الثقافي والاجتماعي من وراء سلطة المجتمع أفرز حالة من عدم التوازن بل والتناقض بين الرأي الفردي (الخاص) والسلوك الجمعي (العام) الذي تشكلت مفاهيمه ومعظم شروطه في عصر سابق.

ومثال ذلك تجده في حوارك مع من اقتربوا أو تجاوزوا منتصف العمر من النخب الفكرية والاجتماعية حيث تسمع كلاما – على سبيل المثال - في التسامح والاعتراف بإعاقة المجتمع حق المرأة في حياة كريمة وحرمانها أبسط حقوقها المكفولة شرعا ومنطقا. وحين يلتئم المجلس وتهيمن سلطة "الجماعة" تجد صاحبنا النخبوي إما منكفئا لا يتحدث أو مناقضا لرأيه التنويري الذي تفنّن في خلوته مع أصحابه في تقديم الحجج على وجاهته وخطئنا الاجتماعي حياله.

ويعود بعض السبب في ذلك إلى أن من تجاوزوا سن النضج عادة ما يرجحون قيمة التوازن الاجتماعي (القبول) بين الجماعة على سلام التوازن الفردي (التصالح الداخلي) نتيجة مورثات ثقافية وضعت سلطة (الجماعة) فوق إرادة الفرد وخياراته مهما بلغت صحتها وقوتها. ولكن ما حدث في عالم التقنيات الاتصالية من ثورات أدت إلى تغير الأدوار الفكرية للمراجع المجتمعية وبدورها خلقت العديد من الفجوات وسط الجيل الواحد ناهيك عن زيادة الهوّة فيما بين الأجيال حتى لم يعد ممكنا للأجيال السابقة أن تلبس قناعين أو تقول الشيء وتفعل عكسه.

في السابق لم تكن الفروق بين الأجيال حادّة حتى شاعت الإنترنت والفضائيات ثم لحقتها الهواتف الذكية واندماج الوسائط معها ما جعل جيل الإنترنت (IGen) فيما بعد الألفية تحت وابل من الضخ المعلوماتي الضاغط على الرأي والقيم فأنتج هذا الخليط ثقافة وسلوكا احتضنها جيل وفي لتقنياته وهو الجيل الذي بات واضحا أنّه لا يشبه ما قبله في شيء ولا يلتزم بحدوده. ظهر هذا الجيل الجديد متحولا في طريقة تفكيره وأسلوب إدارته لحياته بشكل صدم كثيرا من قناعات الأجيال التي تحتضنه (وتتوقع) أن يعش وفق شروطها.

بقلم: فايز الشهري - الرياض