أجيال الغرب الجديدة والماضي الاستعماري
يواجه عدد من الدول الأوروبية المهمة والولايات المتحدة ظاهرة التمرد على المؤسسات ومعاداة الرأسمالية والهيمنة تحت أسماء وشعارات وقناعات كثيرة. ولكن اللّافت للنظر وسط هذه الأحداث (خلال السنوات الأخيرة) تزايد نسبة الأجيال الغربية الجديدة، التي ترفع شعارات وحملات التنديد والخجل من تاريخ بلدانها الاستعماري ومآسيه.
وقد دفعت هذه الموجات الاحتجاجية سياسيين كبارًا في أوروبا إلى تقديم الاعتذار الخجول للشعوب المستعمرة عما جرى لها من إذلال وعنف في الحقبة الاستعمارية. وقد شاهدنا - مثلاً - ملك هولندا ويليام ألكسندر أثناء زيارته لإندونيسيا (مارس 2020) وهو يعتذر عن ماضي بلاده الاستعماري، قائلاً إنه لا يمكن محو الماضي ولكن يجب الاعتراف به. وفي ألمانيا، يثور النقاش محفوفًا بالخوف وعقدة الذنب في بلدٍ يطارده شبح جرائم ماضيه الاستعماري (الإمبراطوري والنازي) في أوروبا وإفريقيا وبعض الجزر في المحيطات.
أما جيوش بلجيكا الاستعمارية فقصصها في إفريقيا لن يغسلها أي اعتذار. ومع ذلك فقد ظهرت أصوات تطالب بمراجعة الماضي، خاصة ما فعله جيش الملك ليوبولد الثاني في الكونغو وبوروندي وروندا من وحشية. واستجابة للضغوط قدم رئيس الوزراء البلجيكي تشارلز ميشيل عام 2019 اعتذار بلاده عن اختطاف الآلاف من الأطفال الرضّع من أحضان أمهاتهم أثناء الحكم الاستعماري لتلك الدول.
وبخصوص بريطانيا وفرنسا فيتوارى سياسيوها وراء أصابعهم خجلاً من تاريخهم الاستعماري المشين، ويكتفون بترديد العبارات الخجولة، مع أن الدولتين مسؤولتان عن أكبر فظائع الاستعمار في التاريخ البشري. وعوضًا عن ذلك دعمت بريطانيا عام 1971 إنشاء رابطة «الكومنولث» المكون حاليًا من 53 دولة موجودة في ست قارات، جميعها كانت مستعمرات بريطانية سابقة (عدا الكاميرون وموزمبيق ورواندا). وقبلها بعام - 1970 - شكّلت فرنسا رابطة «الفرانكفون» من دول مستعمراتها السابقة وغيرها، وأصبحت المنظمة تضم 58 عضوًا. وهاتان المنظمتان لا تقدّمان للدول الأعضاء أيّ تعويضات أو اعتذارات عن الماضي الاستعماري المؤلم، بل تبقي اللجام المعنوي في عنق الأعضاء وفق قانون المغلوب يتبع الغالب.. والله غالب.
ولكن مما يبدو من أحداث يمكن القول إن ضمير نسبة مهمّة من الأجيال الغربية الجديدة لا يحتمل وجود ذلك الماضي المخزي لأجدادهم الاستعماريين، ولهذا رأيناهم وسط فورة الاحتجاجات ضد قتل الشرطة الأميركية للأسود «جورج فلويد» وهم يشوّهون ويسقطون تماثيل رموز الحقبة الاستعمارية في المدن الأميركية والأوروبية، ويدعون إلى مراجعة وتنظيف تواريخ بلدانهم.
قال ومضى:
أيها المذنب: لا تسأل القاضي.. فهنا صوت الضمير، وهناك سوط الماضي.