تقنين المحتوى غير الأخلاقي
تتّجه منظمات كثيرة في العالم الآن نحو مزيد من الضغط لتقنين التصرفات والسلوكيّات الشاذة من خلال التهوين والسخريّة من قيود المرجعيّات الأخلاقيّة والدينيّة بشكل مكثّف أما الحدود القانونيّة فهم يعملون بشكل جاد على تعديلها وإلغائها. تاريخياً كانت هوليوود أول من دعم هذه القضايا حين بدأت ترويج المفاهيم التي كانت عيباً أو حراماً في المجتمعات بوصفها مسألة حقوقيّة متذرعة بحريّة التعبير وضرورات الإبداع ونحو ذلك. ثم ظهرت (مع منتصف الثمانينات) جماعات الضغط بتحالفها الاستراتيجي مع بعض الأحزاب الليبراليّة في أوروبا وأمريكا الشماليّة فأنتجت جيلاً من السياسيين وصل بعضهم اليوم إلى رئاسة وزارات ومواقع قياديّة مهمّة.
ولتوسيع الثقافة الجماهيريّة الداعمة للشذوذ كانت هذه الجماعات حاضرة مواكبة لتطور الإنترنت منذ طلوعها حيث بدأت مع المواقع ومجموعات الأخبار والمنتديات وصولاً للشبكات الاجتماعيّة اليوم. وكانت النتيجة أن نشأ قطاع مهم من جيل كامل في العالم لا يرى في هذه التصرفات عيباً اجتماعيّاً أو مخالفة دينيّة وفي أقل الأحوال ربما يحتفظ المعارض برأيه واشمئزازه لنفسه بعد أن أصبحت معظم ممارساتها في حماية القانون ومن علامات التحضّر الظاهري في كثير من الدول.
وعلى هذا المنوال واصلت شبكات التلفزيون المدفوع مثل "نتفلكس" وغيرها المهمّة بحماس أكبر حتى أصبحت رعاية الشذوذ ركناً أساساً في معظم المواد التي تبثّها الشبكة. ونتفلكس في سعيها لترويج المحتوى غير الأخلاقي لم تستثن فئة من الشواذ في بثها وتكتفي بعبارة عابرة في مقدمة البث "عنف، تعري، لغة غير مناسبة". والمسألة هنا ليست حساسيّة شرقيّة ضد الغرب الحر فأنت –مثلاً- حين تكتب على محرك قوقل عبارة "نتفلكس تروّج للشذوذ" باللغة الإنجليزيّة (Netflix promotes homosexuality) ستكتشف أن المحرك يرتد لك بأكثر من مليون ونصف المليون موضوعاً يناقش هذه المسألة.
على المستوى العربي لم نصل إلى هذه الحال بعد ولكن ما هو أخطر من جماعات الضغط لتقنين المحتوى غير الأخلاقي هو هذا الانفلات المريع في المحتوى العربي على شبكات التواصل الاجتماعي. ويبدو هذا بشكل خاص سناب شات ويوتويوب وبرامج الفيديو المباشر مثل "تيك -توك، يو-ناو، ازار، بيقو) وغيرها. ومكمن الخطر هنا أن هذه البرامج تشكل اليوم ثقافة ووعي المراهقين والصغار خاصّة في مسائل الدين والأخلاق والشذوذ بشكل لا يمكن لأي برامج توعية أو سلطة مجتمع أن تحد من آثاره مستقبلاً.
قال ومضى:
في طريق النجاح (ستكثُر الطعنات) في ظهرك (فلا تلتفت للخلف) كثيراً (فقد تُفاجأ بصديق) وفي يده خنجره.
بقلم/ د. فايز الشهري -الرياض