تعديل المزاج الاجتماعي نحو المجالات المهنيـة ..كيف

الاتجاهات النفسية والاجتماعية نحو ممارسة بعض المهن تحتاج إلى اهتمام ودراسة.. بل أقول جازما إنها تحتاج إلى أن نسهم في تعديلها. نحن نطل على القرن الحادي والعشرين بعد أن حققت البشرية- وخصوصا ممن يمتلكون ناصية العلم والتقنية- تقدما صناعيا وتقنيا مذهلا حتى أصبحت الكرة الكونية قرية صغيرة. ولكن -وقد تتفقون معي- لم يزل هناك ساكنون لهذه القرية لا يتقنون التقنية ولا يجيدون قراءتها، ولكنهم يستخدمونها في حياتهم اليومية دون أن يغوصوا في عالمها أو أن يتعرفوا على أدق أسرارها.. أقول.. إنه لم يزل بعض حملة هذه الأفكار والتي تغذي هذه الاتجاهات تحتاج فعلا إلى أن نقوم بتبصيرها وتوجيهها وبالتالي سننجح فعلا في تعديل السلوك الناتج عنها. إن من هذه الفئة بعض الطلاب في المدارس الذين يرون أن العمل المهني لا يتلاءم مع سمعة أسرهم أو عائلاتهم أو مستواهم الاجتماعي... إلخ. ويرى أن مثل هذه الأعمال يقوم بها ممن استقدموا لمزاولتها من جنسيات مختلفة، ولذلك نشأت هذه المفاهيم الخاطئة لدى الناشئة. ولك أن تجول ببصرك في كل زاوية من زوايا البلد وفي كل موقع عمل إنتاجي تجد القلة.. القلة من أبنائنا العاملين فيها، بينما نجد أن البطالة قد أقعدت الكثير منهم.. فبعضهم ممن يحمل شهادات جامعية في مجالات نظرية اكتفى سوق العمل منها منذ وقت ليس بالقريب، وبعضهم يحمل الثانوية العامة لم يتمكنوا من دخول الكليات الجامعية بسبب انخفاض معدلاتهم، وبعضهم ممن التحق بالعمل الوظيفي المكتبي على نظام الساعات الذي لا يتوافق مع ما تعلموه في المؤسسات التعليمية التي التحقوا بها. ما العمل إذا؟ نحن بالفعل نواجه مشكلة تحتاج إلى حلول سريعة وناجعة... الأعداد تزداد سنويا من هؤلاء القاعدين من الشبان دون أن نسعى إلى التفكير في أساليب عملية تحفزهم للاتجاه للمجالات الفنية والمهنية والتقنية لكونها أكثر إنتاجا للوطن والمواطن وللمستقبل أيضا. آن الآوان لنتجه إلى المدرسة ومن خلال برامج وخدمات التوجيه والإرشاد الطلابي لتكون لنا وقفة مع أهم هذه البرامج والخدمات على الإطلاق المتمخض في التوجيه والإرشاد المهني والتعليمي، والدور الذي يمكن أن يقوم به المرشد الطلابي الناجح والمتحفز في توجيه الطلاب نحو المستقبل بإشعارهم بأوضاع سوق العمل وعالمه الكبير وما يتطلبه من مهن وأعمال مختلفة والخصائص الشخصية والمهارية التي تتطلبها هذه المهن. إن هذا الموضوع ليس بالسهل فقد يحتاج المرشد الطلابي إلى التدريب الملائم على كيفية تطبيق بعض الاختبارات حول الانتقاء المهني أو الاستعدادات لممارسة بعض المهن قبل الدخول فيها، وأن يزود طلابه بالعديد من الكتيبات والنشرات والأدلة عن مراكز التدريب والتعليم المختلفة سواء ما يتبع منها للقطاع الحكومي أو القطاع الخاص. ولو استطاع المرشد الطلابي أن يجمع معلومات عن المصانع والشركات العاملة والمراكز التجارية المختلفة، وذلك من خلال الاتصال المستمر بهذه الجهات ودراسة إمكانية تشغيل الطلاب في فترة الصيف مثلا تمهيدا للعمل فيها مستقبلا أو التنسيق معها على أن تستقبل الطلاب وبخاصة طلاب المرحلة الثانوية على أن يمارسوا عملا جزئيا في فترة العصر أو المساء. ويمكن التنسيق بين الجهات المسؤولة كالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ووزارة المعارف ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والشؤون البلدية وغيرها حول تشغيل بعض طلاب المرحلة الثانوية الراغبين في العمل الجزئي في الورش الصناعية ومحطات البنزين وغسيل السيارات وبعض المحلات التجارية، وذلك بغرض اكتساب الخبرة واكتشاف طبيعة العمل المهني، واكتساب قيمة التعامل الإنساني مع العاملين في هذه الأعمال على اختلاف جنسياتهم ومشاربهم. كم نحن بحاجة إلى أن نقوم بتوعية أبنائنا الطلاب من خلال حصص خاصة بالتوجيه والإرشاد لنقوم بتعريف الطلاب جميعا بالمهن المختلفة وأهميتها في البناء والتنمية، فضلا عما يفترض أن نقوم به من ندوات ومحاضرات وزيارات لمواقع العمل، وكذلك استضافة المتخصصين في مختلف المهن والوظائف لكي نسهم جليا في إزالة الكثير من التصورات الخاطئة التي لم تزل تعشعش في أذهان بعض الناس. ولتعديل اتجاهات أولياء أمور الطلاب فإنه لا يوجد أفضل من استغلال قنوات الإعلام المدرسي كدعوتهم لحضور الاصطفاف الصباحي للطلاب، أو للحفل المسرحي الذي تقيمه المدرسة، أو من خلال حضور الجمعيات العمومية ومجالس الآباء والمعلمين لعرض معلومات مهنية وإطلاعهم على بعض الأفلام والعروض التي تنمي في نفوسهم حب العمل واعتباره شرفا كبيرا لا يمس كرامتهم أبدا، وإنما هي أعمال يزاولها أشرف الناس. فالأنبياء زاولوا مثل هذه الأعمال ولنا أسوة حسنة في نبينا محمد ص الذي رعى الغنم واشتغل في التجارة وفي دعوة الناس أجمعين وإخراجهم من الظلمات والجهل إلى نور الإسلام وهدايته التي أضاءت الدنيا قاطبة. ويمكن الإسهام في توعية الآباء والمجتمع المحلي من خلال الاستبيانات والمطويات والأشرطة التسجيلية المختلفة وعمل المسابقات المهنية التي يمكن إشراك أعضاء الأسرة فيها. كما لا ننسى الدور الذي يمكن للإعلام المحلي المساهمة فيه بجميع مستوياته سواء كان ذلك الإعلام مرئيا أو مسموعا أومقروءا، ويمكن عرض مثل هذه الأفكار على الناس في قوالب مشوقة من خلال الدراما والمسرح والمسلسلات التلفزيونية والمقالات والتحقيقات الصحفية والمقابلات مع أصحاب العلاقة وذوي الشأن، والتي ستسهم بدورها في تعديل هذه الاتجاهات لكي تكون أكثر إيجابية ونجاحا.