رحلة البحث عن وظيفة!

يتمنى أبو محمد،على معارفه ومنهم أنا، البحث عن وظيفة لابنه محمد المتخرج حديثا من الجامعة.. ولا أملك إلا أن أقول لأبي محمد إن المهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. أولا، هذا التخصص الذي لم يعد أحد يريده، وكأني أرى المتخصصين في هذا المجال قد انقرضوا إلا أساتذة التخصص في الجامعة بالطبع، فلا المؤسسات الحكومية تحتاج إليه، ولم أسمع بشركة تبحث عنه، والحل ببساطة أن يلتحق محمد بدبلوم في تخصص مطلوب (يجب ما قبله) ليتأهل إلى قطاع الأعمال بدرجة علمية، على ألا يذكر شيئا عن تخصصه السابق لكيلا يصاب الجميع بالإحباط. ثانيا، هذه المهارات (الفذة) التي يتمتع بها، فاللغة الإنجليزية بدائية، لا تعين على التخاطب مع الباعة الآسيويين ولا حتى الحصول على غرفة في فندق، فهل يتوقع أبو محمد قبولا من قطاع نشأ على هذه اللغة ونما عليه، يبيع ويشتري بها، يقدم خدماته بها، ويخاطب العالم بأسره بها؟ أين الإلمام بالكمبيوتر وبرامجه وتطبيقاته؟ أين مهارات الاتصال والتحرير؟ كيف يتوقع صاحبنا أن يوافقنا أصدقاؤنا أو معارفنا أو جيراننا على توظيف هذا الخريج لمجرد أننا نزكيه، وأنه من (حمولة) طيبة؟ ثم من من الشركات والمؤسسات الخاصة اليوم (يغامر) بتعيين خريج حديث، لم يعتد صلف عيش القطاع الخاص وهمومه، خريج اعتاد الاستماع ولم يألف المبادرة، ينام 10 ساعات دون نقصان، ويكره الدنيا إن لم يجتمع بأصدقائه العشرين كل يوم، و(خميسه) محجوز للرحلات طول العام. كل هذا لن يعجب أبا محمد بالتأكيد لكنها الحقيقة، وها هو الواقع الذي نتعامل معه كل يوم، يحدث أمامنا فلا نملك إلا أن ندعو الله أن يلهمنا الحلول بسرعة، وسيكون صاحبنا في غاية الامتنان إن أرشدناه على الحل، الذي لا يملك مفاتيحه إلا وثبة عنترية تغير مفاهيمنا اليوم عن أشياء يسمونها مخرجات التعليم، وأخرى اسمها متطلبات سوق العمل. فلا أعتقد أن أبا من الآباء راض عن مستوى لغة الأعمال الإنجليزية التي تدرس في المدارس لأبنائهم، لكنهم عاجزون عن البديل، ولا هم يرفضون فكرة أن يتخرج أبناؤهم نكرات في علم حيوي كالكمبيوتر، لكنهم محبطون بالواقع. أما عن التخصص، فلابد أن ينتهي النقاش يوما عن ما إذا كانت الجامعة مؤسسة تعليم، أو مؤسسة تأهيل لسوق العمل، متى ما وجد أحد (دكاترة) الجامعة المتحمسين، ابنه الخريج عاطلا لسنوات، يستدين ويعد بالوفاء عند التعيين الذي قد يأتي ولا يأتي، لكنه يزجي الوقت (بالسجال العلمي) مع والده! والشركات الكبرى والمؤسسات الخاصة المقتدرة عليها أن تتعامل مع الواقع بمسؤولية، وأن تخصص جزءا من أرباحها لتأهيل الخريجين الذين ذهبوا ضحية مخرجات التعليم ومتطلبات السوق التي لا تريد أن تتوافق لتريح الجميع. لابد لهذه الجهات أن تقدم شيئا في المقابل إلى أن تحين الوثبة العنترية يوما ما فيرتاح أبو محمد ويريح.