بين مايكل ديل وسندريلا !

عندما كان ما يكل ديل في الثالثة عشرة من عمره، تملكته هواية فك كمبيوتره الشخصي والعبث بمحتوياته، أدرك بعد محاولات العبث تلك أن بإمكانه عمل شيء ما في تلك الصناعة. واليوم، وبعد عشرين عاما من محاولاته، نجح مايكل ديل في أن يكون أصغر رئيس شركة في تاريخ قائمة فورتشن لأضخم 500 شركة في العالم، وها هو اليوم يقود واحدة من أكبر الشركات الرائدة في مجالها وأكثرها ربحية أيضا. تنطلق حكاية تأسيس شركة ديل للكمبيوتر من سكن الطلاب بالجامعة وبرأسمال لا يتجاوز الألف دولار، هذا الاستثمار الذي أعد لمنافسة عملاق الكمبيوتر (شركة آي. بي. إم) وأن تلعب اللعبة نفسها وبحيل جديدة، وأن تقدم هذه الأنظمة الرائدة التي غزت قارات العالم وبنجاح منقطع النظير، وتربعت ديل بعدها على عرش الريادة في مجال خدمات العملاء بالسرعة والمهارة التي تجاوزت طموحات العملاء أنفسهم، دون المساس بجودة المنتجات وكفاءة الأداء. الكمال لله وحده، ورحلة ديل منذ بدايتها رافقتها أخطاء هنا وهناك، كاد بعضها أن يكون فادحا يصعب إصلاحه، إلا أن ديل تفوق في التعلم من الأخطاء، والاستفادة منها كدروس أعانته على تخطي مصاعب واجهته بعد ذلك. دون ما يكل ديل قصته في كتاب طرح مؤخرا في الأسواق، عن تلك التجربة المثيرة (أكثرها إثارة ثروته الشخصية بالطبع) وتناول الكتاب قضايا عدة، وطرح فيه الرئيس الصغير آراء جريئة أكثرها جاذبية ما يتعلق ببداية تأسيس النشاط التجاري، وتفضيله لرأس المال الصغير عن الاستثمار الضخم، وحول الميزة التي تنفرد بها عن منافسيك عندما تتمكن من التعرف بدقة على احتياجات العملاء وتوجهات السوق، كما استفاض بالعرض للطريقة المذهلة التي استطاعت بها ديل غزو الإنترنت وأن تتمكن من بيع ما قيمته 10 ملايين دولار يوميا من أجهزة كمبيوتر. اسأل القارئ الآن إن كان يؤمن بصحة ما يقوله لنا مايكل ديل، وإن كان يثق بأن كل ما ورد في كتابه حقيقي وحدث فعلا على أرض الواقع؟ عني شخصيا أظن أن هذا الإنجاز ما هو إلا ادعاءات لأنها تشبه الأسطورة، وأن هذا الشاب المعجزة هو أقرب إلى الخرافة منه إلى شخص أخذ مكانه المتميز بيننا وما زال. والسبب أني لم أعتد على أشياء من هذا القبيل، ولم أجد حولي براهين وإثباتات تدل على أن تجربة نجاح تجاري من هذا النوع يمكن أن تكون قد حدثت فعلا وبالطريقة التي تكونت فيها شركة ديل ونمت وتعملقت. فكيف لي أن أعرف أن مايكل ديل لم يرث ملايينا من والده، وأن حكاية الألف دولار كذبة مختلقة، حتى وإن صدقناها فلربما كانت هناك (طفرة) كمبيوتر وقتها، اشترى فيها الناس الأخضر واليابس وحتى المعفن من الأجهزة، فحدث ما حدث. سمعت عن قصص تثمين أراض في أمريكا قبل سنوات، وربما لعائلة ديل نصيب من عرض تثمين (ملاييني) حظي بعده الابن مايكل بنصيب منه، وأخرج لنا هذه الشركة، ثم كتب لنا خرافاته. استمتعت بالكتاب فعلا لكني تعاملت معه كرواية من نسج الخيال، تماما كقصص العجائز، والسحرة، من نوع عفريت شبيك لبيك، وبساط الريح، والسندباد، وسندريلا، فقصة من طراز ديل مستحيلة الوقوع لدينا وفقا لنماذجنا التجارية المعتادة، ولأساليب الممارسة التي نراها حولنا، تخلوا من الإبداع غالبا، وتفتقر لبعد النظر والمبادرة. ليس تطبيلا لهم وتحقيرا لنا، ولا تنزيها لهم وكيلا للاتهامات لنا، إنها انعكاس لما نرى حولنا، صحيح أن الظروف تختلف، والمناخ التجاري وطبيعة الناس متباينة، والعصامية يتكرر وجودها في كل مكان، ولكن يبقى شيء ما ينقصنا، أن نرى تلك الروح والمثابرة والاعتماد على الذات مع التوكل على الله تعالى - في التجارب التجارية التي تعيش معنا، في البقالة ومؤسسات الصيانة والمقاولات، في الشركات الصغيرة والكبيرة، وأن نجد التجربة الوطنية المبدعة شائعة لا نادرة.