حتى لا تغرق بعض شركات التأمين في جشعها

اهتمام مجلس الشورى بمناقشة التأمين على المركبات يوم الاثنين الماضي على درجة كبيرة من الأهمية، فهذا النشاط مثلما يلاحظ لا زال بعيداً عن التنظيم، وهذا يؤثر بدون شك على كافة المشاركين في هذا النشاط، فالفوضى سوف تعرض المراكز المالية لشركات التأمين وتلحق الضرر بالمؤمن عليهم.

إن نظره سريعة لأسعار التأمين ضد الغير عند 25 شركة تبين أن الفارق بين أدنى سعر 1100 ريال وأعلى سعر 1890 ريالا يصل إلى أكثر من 70%، فهذا التفاوت الكبير في أسعار التأمين بين شركة وأخرى من الصعب تبريره مثله مثل ارتفاع أسعار التأمين خلال الفترة الواقعة بين 2006 و2016، ففي خلال العشر سنوات الماضية ارتفعت أسعار التأمين من ما يقارب 360 ريالا إلى ما نراها عليه حالياً، أي خمسة أضعاف تقريباً، فهذه الظاهرة التي لا تجد لنفسها تبريرا مقنعا تحمل في طياتها العديد من السلبيات والمخاطر لقطاع التأمين.

وثم أمر آخر، فشركات التأمين التي عماها الطمع نسيت عملاءها الذين يمولونها ويوفروا لها السيولة دونما تكلفة لها، فالخصومات التي كان يحصل عليها أصحاب السجل النظيف قد تم الغاؤها، وهكذا تساوى مبلغ التأمين الذي يدفعه مرتكب وعدم مرتكب الحوادث، فهذا العامل المشجع على تخفيف الحوادث فيما مضى، والذي يصب في مصلحة شركات التأمين نفسها لم يعد موجودًا، وهذا يعني من ضمن ما يعني أن ارتفاع حوادث المرور الذي تسوقه شركات التأمين كمبرر لمغالاتها في الأسعار بلا أساس، وإلا لاهتمت بالخصومات التي تقدمها لمن لم يرتكبوا مخالفات، وحسنا فعلت مؤسسة النقد عندما تدخلت لمعالجة هذه المشكلة وأمهلت الشركات حتى شهر أبريل القادم.

ولكن ذلك وحده لن يحل المشاكل التي يعاني منها قطاع التأمين على المركبات، ففوضى الأسعار وانعدام الرقابة سوف تؤدي إلى مفارقة، فالشركات التي أدت ثقتها بالنفس إلى المبالغة وإرهاق عملائها بالأسعار المرتفعة سوف تفسح المجال، دون قصد منها، لشركات التأمين الأضعف لتخطيها، فهذه الأخيرة سوف تكون هي الرابح الأكبر من هذه الفوضى، والسبب يعود إلى أن الشركات التي تؤمن بسعر 1890 لن تلقى ذلك الرواج الذي تحصل عليه الشركات ذات التكلفة الأقل، فمكاتب هذه الأخيرة صارت تمتلئ بالعملاء الجدد الذين يصل عددهم في الوردية الواحدة إلى أكثر من 60 شخصاً، وأمام هذا الإقبال من الجمهور سوف توسع نشاطها في المستقبل، ولذلك فمن المتوقع أن تتضاعف إيرادات هذه الشركات خلال الفترة القادمة، وهذا سيتم على حساب الشركات مرتفعة السعر، وعلى هذا الأساس فإن المراكز المالية لشركات التأمين ربما تتغير بشكل معاكس لما كانت عليه في السابق، إذ لا يستبعد أن تؤدي المبالغة في الأسعار إلى أضعاف المراكز المالية لشركات التأمين الكبيرة وتعزيز مراكز الشركات الأضعف، فقدرة شركات التأمين على تغطية نفقات الحوادث تعتمد في نهاية المطاف على أموال من ليس لهم حوادث، فإذا انخفضت أعداد المؤمن عليهم عند أي شركة تأمين بشكل كبير، كما هو حال من أسعارهم 1890 ريالا، فإن ذلك سوف ينعكس على أرباحها ومراكزها المالية بالسالب. ولهذا فإن الجهات المسؤولة مدعوة لسرعة الدخل قبل فوات الأوان.

بقلم: عبدالله عبدالمحسن الفرج - الرياض