ساهر والمشروع التجاري

الحديث عن ساهر يفترض أن يستمر طالما لم تحل كافة الإشكالات التي يثيرها، فنظام المراقبة المرورية الذي دخل حياتنا اليومية قد ساهم دون شك في تقليص الحوادث، بيد أن هذا لا يلغي النواقص التي يعاني منها المشروع، ولهذا فليس مصادفة أن ينقسم المجتمع حوله، فهناك الذين روعتهم كثرة الحوادث المرورية التي تتسبب في آلاف الوفيات سنوياً - معظمهم من الشباب.

وهؤلاء هم من أشد المتحمسين لساهر إلى درجة أنهم لا يقبلون بأي نقاش حول الأمر، في المقابل هناك قسم آخر من المجتمع لا يفك عن كيل اللعنات على هذا النظام متهماً إياه بسرقة أموال الناس وهم عادة المتضررين أو يخشون أن يكونوا كذلك.

وأنا أعتقد أن هذا الانقسام حول ساهر أمر طبيعي، بل إنه ضروري، فنحن أمام ظاهرة حديثة الولادة، ولذلك فهي تعاني من النواقص والسلبيات، والجدل حولها سوف يساهم بالتأكيد في تقديم بعض الحلول، وأتمنى أن تكون هذه السطور القليلة ضمن هذا الإطار.

بالفعل فإن أول ما يلفت النظر في نظام المراقبة المروري هو الجانب التجاري للمشروع، إذ أنه لا يمكننا ألا نلاحظ، وبغض النظر عن اسم الشركة أو الجهة المنظمة أو المستفيدة من ساهر، قصور الإدارة التجارية للنظام، فليس هناك شركة في العالم، أو بالأصح في العالم المتحضر، مهمتها فقط جني الأرباح، فنحن نعرف أن أي جهة تجارية -علنية- لا بد وأن يكون لها حقوق وعليها التزامات، وشركة مراقبة المرور رغم كل الالتزامات التي تقدمها لاصطياد مخالفي السرعة فإن ذلك وحده لا يعتبر كافياً، فنحن حين نذهب إلى دكان لنشتري منه فإن عرضه للبضائع علينا لا تعفيه من بقية الالتزامات التي عليه أو يفرض أن تكون عليه، فأي محل تجاري مسجل ملزم بعدم الغش التجاري والمغالاة بالأسعار، بالمثل فإن شركات المراقبة الأمنية أو المرورية يفترض ألا تكتفي بتقديم المراقبة، كما هي فقط، دونما تقيد بكافة الالتزامات التي يجب أن تكون خاضعة لها.

ولكن عن أي التزامات يمكن أن نتحدث عنها طالما ساهر محتكر الكلمة الأولى والأخيرة، فالناس التي عانت من الغرامات المرورية قد دفعتها وهي مرغمة رغم كل الأعذار التي قد تكون لدى البعض، وهذا أمر غير صحيح، بل إنه من أكبر النواقص التي يعاني منها نظام المراقبة المرورية، فالجريمة لا يمكن أن تثبت على أحد من دون حق المرافعة والاعتراض، فحل المسألة وفقا لمقولة خذوه فغلوه هي التي تثير المجتمع حول ساهر، ففي الولايات المتحدة مثلاً عند مخالفة السرعة يشعر المخالف بذلك ويوضع أمام خيارين: الدفع أو تحديد موعد مع القاضي، وفي حال تكون حجة المتهم قوية يتم الغاء المخالفة كلياً أو جزئياً، فأين نحن عن مقولة المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

ولذلك أعتقد أن الجانب التجاري لمشروع ساهر يفترض أن يتطور حتى يكون مشروعاً ناجحاً، ومن المهم في هذا المجال وضع البنى التشريعية أو الأطر القانونية التي تكفل حقوق كافة المشاركين في هذه العملية، فهذا من شأنه تحويل النظام من مشروع تجاري ناقص إلى مشروع تجاري إنساني متكامل. 

نقلاً عن صحيفة " الرياض"