الاقتصاد والحرب

غارات نسورنا البواسل وهم يؤدون بمهارة واحتراف واجبهم في اليمن تأخذنا إلى بقية المعارك الناجحة التي تخوضها بلدنا في العديد من المجالات. وأنا هنا لا أريد التركيز على ساحة القتال العسكري التي تحتاج بالتأكيد إلى اقتصاد قوي يدعم الإنفاق الضخم على الأسلحة المتقدمة كالطائرات وأجهزت المراقبة والاتصالات الحديثة وغيرها، فهذا أمر مفروغ منه. فالذي وددت الإشارة إليه في هذه الأسطر القليلة هو معركة الاقتصاد والنفط التي نخوض غمارها منذ عدة أشهر بنجاح مثلما خضنا الأسبوع الماضي المعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن.

فنحن نعرف أن توجه المملكة نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، والذي تم إقراره في أول خطة للتنمية (1970-1975)، كان يصطدم دائماً بعقبة كأداء هي ارتفاع أسعار الذهب الأسود. فتخمة العائدات النفطية، أو النعمة، كانت تصيبنا، بما اصطلح أن يطلق عليه، بالمرض الهولندي. والذي أبرز معالمه النمو الاقتصادي والخير والرفاه، ولكن دون التمكن من تحقيق التنمية المستدامة. وهذا مرض تعاني منه معظم البلدان النفطية.

بيد أنه ومثلما نلاحظ فإن معركتنا من أجل الدفاع عن حقنا الطبيعي في أسواق النفط قد ترتبت عليها، كما رأينا، انخفاض سعر النفط. وهذا الأثر الذي أرى أنه ايجابي سوف تدعمه ربما دورة الاقتصاد الأمريكي. فالسلطات النقدية في الولايات المتحدة التي تخشى تصاعد الضغوط التضخمية ربما تقرر رفع الفائدة. وهذا يعني أن ارتفاع سعر صرف الدولار أمر متوقع خلال الفترة القادمة. فإذا تم ذلك، وهذا هو الأرجح، فإن هذا سوف يدعم دفاعنا عن حقنا في حصة عادلة في سوق النفط. فالمملكة وبلدان مجلس التعاون التي تتمتع بسعر تكاليف منخفضة للإنتاج تملك أحقية في الحصول على حصة أكبر في السوق بالمقارنة مع تلك البلدان ذات تكاليف الاستخراج المرتفعة.

إن انخفاض أسعار النفط مهما كانت أثارها سلبية على العائدات التي نحصل عليها فإن ذلك قد يشكل الحافز الذي نبحث عنه لتنويع مصادر الدخل. وأعتقد أن الحماس الوطني الذي نعيشه مع بدء عاصفة الحزم يعتبر من العوامل المساعدة. فالإصلاحات الاقتصادية عادة ما تكون متناقضة مع المشاعر الشعبية التي يهمها رخاء اليوم وليس المستقبل. فاقتصادنا يحتاج بكل تأكيد إلى إصلاحات هيكلية تؤدي ليس فقط إلى تنويع الناتج المحلي الإجمالي وإنما أيضاً هيكل ميزان المدفوعات الذي يحسب ما نحصل عليه من العملات الصعبة. فنحن حتى يتأتى لنا زيادة عائداتنا من الدولارات غير النفطية يفترض أن نساعد على نشوء شركات سعودية ضخمة خارج قطاع النفط ومشتقاته والتي من ضمنها البتروكيماوية. وهذا يحتاج من ضمن ما يحتاج إلى تحقيق الرؤية التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي بخصوص عدم اللجوء إلى القوة في إحلال العمالة والاستعاضة عن ذلك بتحسين مخرجات التعليم التي تؤهل شبابنا للعمل في القطاع الخاص.

أننا والحمد لله نعيش الآن فترة مواتية، خصوصاً ونحن قد بدأنا للتو بتنفيذ خطة التنمية العاشرة (2015-2019). فهذه الخطة إذا ما أجريت عليها التعديلات اللازمة عند التنفيذ من خلال ميزانيات السنوات القادمة فإنه سوف يكون بإمكاننا تحقيق ما عجزت عنه كافة خطط التنمية السابقة. 

نقلاً عن صحيفة " الرياض"