عبده خال

ليس هناك عاقل راشد يمتلك ذرة شعور يمكن له تأييد التنظيم الإرهابي الداعشي، الذي عاث في الأرض فسادا وتقتيلا وإحداث أعمال تتنافى مع جوهر الدين والإنسانية في أدنى درجاتها.

وحادثة إقدام ثلاثة سعوديين على إطلاق النار على المقيم الدانمركي، وظهور التحقيقات الأولية أن الجناة أقدموا على ارتكاب جريمتهم تأييدا لتنظيم داعش الإرهابي، يكون هذا الخبر مادة قرائية واجبة الاستذكار والمراجعة.

وأول استفتاح لقراءة هذا الخبر أن جل العلماء في العالم الإسلامي أدانوا وأنكروا الأفعال الداعشية، وتم تصنيف هذا التنظيم تصنيفا بينا خارجا عن دائرة الإسلام، وأن الأفعال التي تجري على أيدي رجاله أفعال لا يرضاها الله ولا رسوله، وذهبت كثير من التحليلات السياسية إلى أن جماعة داعش صنيعة مفتعلة لتعميق الجراح العربية والإسلامية، وأنها أداة لخلق الفوضى ووسيلة من وسائل تمزيق الأمة، وحين يقدم شباب (مهما تضاءل حجمه) على تأييد مثل هذا التنظيم نكون في مأزق مبدئي يدلل على أن بعض شبابنا لا يقرأ ولا يسمع ما يقال ولا يتبين ما يرشح من حقائق على السطح الواقع، بل ينقاد بيقين المظلمة التاريخية التي تمارس على أمته، وهو لا يعلم بأن يقينه هذا قد سلمه لأعداء أمته جهلا بالأحداث والتاريخ والوقائع.

ولو سرنا في فرضية أخرى تنفي الجهل عن هؤلاء الشباب، وأنهم مؤيدون تأييدا إيمانيا بما تفعله داعش، نكون قد دخلنا إلى مأزق آخر أكثر ضيقا وخطرا يكشف لنا أن الخطاب الديني (في دوائره المتعددة) انغلق تماما وغدا منتجا للإرهاب، من خلال مقدرة الراديكاليين عزل علماء الأمة، فلم يعد لهم تأثير واضح على متلقي الخطاب الديني الحركي المحرض على القتل، وبالتالي تفرد الحركيون في استكمال رسم خارطة الطريق لأجيال ظلت تنهل من التعاليم المتشددة حيال الممارسات الحياتية اليومية، حتى بلغت ذروة سنام التشدد، وبسبب التشدد المبدئي تباعدت الرؤى فيما هو دعوي وسياسي.

والآن، ونحن نعيش مأساة هذه التنظيمات الإرهابية المتناسلة والمفرخة لأجيال يكون آخرها أكثر تزمتا ووحشية من أولها، يفرض على السياسات العربية والإسلامية العودة للخلف لتبني إصلاح وتجديد الخطاب الديني، وهي الدعوة التي تم إهمالها ومحاربتها مع ظهور حركة التنوير في بدايات القرن الماضي.

نقلاً عن صحيفة "عكاظ"