الوطن في خطر

فجأة تستيقظ الغيرة الدينية في الوسط الرياضي لدى حفنة من أفراده الذين أعماهم التعصب الرياضي واستغلوا الدين لتمرير ما يريدون، وما ذلك لأهداف نبيلة أو غايات وطنية سامية يمكن أن يُشكروا عليها، بل لأغراض مشبوهة ونوايا غير رياضية، غايتها استفزاز ثم تنفير كل من يحضر للعمل في المملكة، والتضييق عليه حتى يخرج مكرهاً، وهي أفعال ليس وراءها في الحقيقة إلا تشويه لسمعة هذا البلد وأخلاق أهله، فبعد أن كانوا مثالاً للتسامح والأخلاق الإسلامية أصبحوا بفضل إعلامنا الرياضي إقصائيين متشددين منغلقين متزمتين، ولن تمحو السنون من أذهان الجماهير الرياضية تفاصيل ما تعرض له كوزمين ورادوي من حروب ظاهرة وخفية، حتى تحقق المراد وأخرجوا مكرهين، وإن كانوا على قدر من الاحترام واحتفظوا بأسرار خروجهم، فربما يأتي يوم يفتحون فيه الصفحات السوداء، ويكشفون عن كل من له صلة بها، لأن ما حدث بعد خروجهم كشف عن أن المقصود مما حدث النادي الذين ينتمون إليه فقط، إذ تعاقدت أنديتهم مع من كان أكبر وشماً وأكثر خشونة، لكن أحداً لم يتعرض لهم، بل أوجدوا لهم حصانة رسمية بمبرر الحرية الشخصية والدينية الخاصة.

في الوسط الرياضي إعلام مخلص جداً، ولكن ضد كل ما يخص الهلال، إلى درجة تقمص دور البحث والتحري خلف كل صفقة، وتصعيد الأمور اجتماعياً وإعلامياً، ناهيك عن استنهاض الهمم لدى جملة من مشايخ بحسب الطلب لاستصدار فتاوى بحسب اللون، وأعجب فعلاً من انجراف البعض للفتوى الرياضية والتلويح بها لإثارة الفتن النائمة، ولعل ما حدث أخيراً لمدرب الهلال الجديد يفضح التوجه السافر لدى الحفنة ذاتها التي أخذت على عاتقها محاربة الهلال، وكان البعض يهون من شأنها ويدعي أن ذلك ليس إلا وهماً، فأصبح - ولله الحمد مفضوحاً - في شكل مقيت، فعندما تستجيب السلطة الرسمية الرياضية لمطالبات «تويتر» الصفراء بالتقصي عن ديانة مدرب الهلال وتبحث وترد ببيان سمي مجازاً بيان «التطمين» وهو في الواقع بيان التخوين، فعلى الرياضة السلام، فهل يعقل أن يتجاوز الهلال أو غيره وزارتي الداخلية والخارجية ويتعاقد مع أي شخص كان ويسمح له بالدخول إلى أرض المملكة، وهو لا تنطبق عليه شروط الدخول؟ ثم هل سبق أن تم التقصي بالحرص نفسه عن جميع المدربين واللاعبين الأجانب وأصولهم الاجتماعية ومعتقداتهم الدينية وبُحث عن ختم جوازاتهم في مطارات العالم لنتأكد من أنها لم تطبع بأختام دول ذات علاقة مع بلادنا أم لا؟ اليوم حق لنا أن نسمي ما يحدث في الوسط الرياضي بالتطرف، وهو يوازي التطرف الديني إن لم يكن يتفوق عليه، ذلك أنه يقلب الحقائق ويكذب ويزور، وإن كانت الدولة تحارب الأول لأنه خطر فعليها أن تحارب الثاني بالقوة نفسها، فما تقوم به من جهد في محاربة الإرهاب يهدمه ما يحدث من تطرف رياضي لأسباب غير رياضية ليس وراءه إلا صورة مشوهة لوطن الإسلام وأهله، ولن تنفع الملايين في تلميعها.

نقلاً عن "الحياة"