الشبح

خلف ستار مسرح الساحة الرياضية السعودية ثمة شبح يجيد افتعال الأحداث الساخنة والقضايا الشائكة في شكل متوال لا يعطي برهة للتفكير في الأسباب أو البحث عن حل، أخذ على عاتقه ألّا تهدأ ولا تستكين حتى غدت كالمرجل تغلي بالاحتقان والضغوط، كل يجأر بالشكوى والمظلومية ولكن وسط الضجيج العالي لا أحد يصيخ سمعه لأحد، قضايا استنكر الكل ظهورها واستعظم هولها وفداحتها وخطرها فجاء بعدها ما يرققها ويهون من شأنها مقارنة بما تلاها. 

قضية رشوة مكتملة الأركان والشهود تتوارى في أدراج المكاتب يتبعها تهبيط ناد بمسوغ النية المبيتة، تتم إحالة تظلم أصحابها لإسكاتهم إلى غير جهة الاختصاص فتبقى تدور وتلف حول العالم ولا يرد ما يفيد أنها ذهبت إلى المكان الخطأ إلا بعد أن انتصف موسم المتظلم في دوري الدرجة الأولى! إنها شبيهة بقضية عبدالعزيز السعران الشبابي السابق الذي تورط الشباب بإشراكه بناء على خطاب رسمي، فاحتج الأهلي وكسب القضية محلياً، فتظلم الشباب خارجياً وانتهت المسابقة وحقق الأهلي الكأس بينما الرد عليها ينتقل من مكتب إلى آخر.. وحتى والاتحاد السعودي ينتخب ويعتقد الجميع أن الطريق بدأت تتضح معالمه ظل الشبح يرسم من خلف الستار سيناريوهات أحداث أخرى أقوى تأثيراً وأكثر إشغالاً للشارع الرياضي لم يظهر فيها أننا نصحح أخطاء سابقة أو نعالج سلبيات ما سلف، بل أصبح الحديث بصوت أعلى من ذي قبل عن بيع نتائج مباريات وتشكيك علني في أندية بعينها في مقابل صفقات لاعبين، وهذه لم يقلها مشجعون متعصبون في المدرج، بل رؤساء أندية وعلى رؤوس الأشهاد، ولكنها لم تحرك لدى الاتحاد السعودي بلجانه ساكناً، ولم تستفزه لإثبات نزاهة بطولاته التي يشرف عليها وتقع عليه مسؤولية ما يحدث فيها سلباً أو إيجاباً، واتجه إلى صرف الأنظار عنها، على رغم خطورتها على شرف المنافسة، إلى الدفاع المدني رضوخاً لرغبة الشبح الخفي لشرخ اللوائح، وتم له ما أراد فانشغل الكل بالتقرير الوقائي الخطر الاستباقي في الأحداث والمناسبات الرياضية، فلما انتهت المهمة توارى الدفاع المدني وجف الحبر وبقي الشرخ شاهداً في الملعب ذاته عند إقامة أول مباراة عليه. إن شرخ النظام أسهل من شرخ الجدار متى ما كانت خلفه يد قوية. الشبح ذاته كان في قمة «الأكشن» والإثارة وهو يرسم هرب لاعب وتضارب أقوال أطراف القضية لكسب توقيعه على رغم وضوح اللوائح التي يتوقع أن تنسفها «حبة خشم» و«تكفون لا تضيعوا مستقبل اللاعب، ترى الموضوع ما يسوى» .

رياضة تدار بمجاملات خلفها أشباح، نتاجها هذا التراشق الإعلامي والفوضى الإدارية التي جعلتهم يقرون بأنفسهم أنه «دوري حواري» لا يستطيع بسط سلطته إلا على الضعفاء.


نقلاً عن "الحياة"