جوع

شاهدت موظف أمن يسأل شاباً برفق مغادرة معرض الكتاب في الرياض بعد أن انتهى وقت العمل فيه الساعة الحادية عشرة مساءً. غادر الشاب على مضض وهو يجر حقيبته المتخمة بالكتب. سألته: يبدو أنك مستمتع بالمعرض. فأجابني: "يا أخي، أتمنى أن أنام فيه".

إجابة هذا الشاب تعكس الجوع والفقر والعطش، التي يعانيها شبابنا. لا توجد برامج وفعاليات وأنشطة تلبي احتياجاتهم ونهمهم.

جاء معرض الكتاب ليؤكد حاجتنا الماسّة إلى مرافق تحتوي شغف الشباب وتخاطب اهتماماتهم على مدار العام، وليس فقط على مدار عشرة أيام.

لِمَ لا يصبح المعرض دائماً؟ لِمَ لا ينتقل إلى مناطق المملكة ومدنها؟

قرّاء ومحبو القراءة ليسوا في الرياض فحسب، وليس كل فرد يستطيع أن يتكبّد وعثاء السفر
.
يقول لي رب أسرة جاء من القنفذة التقيته في المعرض برفقة أسرته: "لا يمكن أن تتخيّل كم دمعة هطلت من عيون أبنائي؛ كي أجلبهم إلى الرياض".

لقد تغيّر وعي الأجيال الجديدة. باتت تقاتل من أجل الحصول على كتاب وتبكي من أجل زيارة معرض.

لا شك أن الشبكات الاجتماعية لعبت دوراً حيوياً في تغذية شغف الأطفال والمراهقين. فعلى المعنيين أن يستثمروا هذا الحب ويوفروا مناسبات وفعاليات تواكب تطلعاتهم وتمدهم بالبهجة، التي يستحقونها، في كل مكان وزمان.

هناك إقبال هائل على المعرض بشكل منقطع النظير. المبيعات عالية جداً. البعض يرى أن الكثيرين لا يقرأون ما يشترون، لكن الواقع يشير أيضاً إلى أن حلقات نقاش الكتب الافتراضية والواقعية اتسعت وازدادت. أندية القراءة تضاعفت. إنها مؤشرات صحية تعكس أننا نعيش طفرة تستحق الاحتفاء والاستثمار.

من المبهج وأنت تتجول في معرض الكتاب أن تشاهد طفلاً يتصفح كتابا بتفانٍ، ومراهقاً يقرأ ديواناً لفيديريكو غارثيا لوركا.

قد يخفت هذا الاهتمام إذا لم نتصدَ له على نحو إيجابي وقد يتفاقم متى ما سخّرنا بيئة ملهمة تحفزه وتستفزه.

أسوأ شيء قد يتعرّض له المرء هو أن يجوع أو يعطش.

لا يستفحل الجوع في الأماكن التي ينعدم فيها الغذاء فقط، وإنما في الأماكن التي لا تتوافر فيها الخيارات كذلك.

بوسعنا أن نحارب هذا الجوع عبر توفير مساحات وبرامج وفعاليات تروي الصدور المتعطشة والقلوب اليباب.

 نقلاً عن "الاقتصادية"