أسرى الأسلاك

قبل يومين حاولت أن أخرج سماعة جوالي من جيبي ووجدتها متشابكة مع سلك البطارية المتنقلة. ظللت فترة طويلة أحاول أن أفك العقد التي خلفها هذا الاشتباك الكبير دون جدوى. تخليت عن هذه الفكرة البسيطة بسبب الواقع المعقد.

جعلني هذا الموقف أتأمل في حالنا اليوم كيف أصبحنا مقيدين بالأسلاك، محاصرين بها. لا نخرج إلا ونحن نحملها معنا بل تحملنا معها. تربطنا وتكبلنا.

لم تعد جيوبنا تكفي كل هذه الأسلاك والبطاريات، فأصبح بعض الرجال يحمل حقيبة يدوية كأنها "مغذي"، أو طوق النجاة، سبيلنا للحياة.

جميلة هي التقنية عندما تساعدنا وتسهل حياتنا، لكن تصبح وبالا عندما تضحى عبئا يقيدنا.
علينا أن نعيد النظر في أسلوبنا مع التقنية. عندما نصبح مدمنين على شيء فإننا نصبح رهائن له. نسلم له عواطفنا ومشاعرنا وأحاسيسنا ومزاجنا له.

ينبغي أن نحاول تقنين ارتباطنا بأجهزتنا قليلا. نمنحها بعض الوقت، ولكن ليس كل الوقت. أصبحنا لا نجيد إدارة اللقاءات الحقيقية، تجذبنا الافتراضية الخادعة.

أنسينا أنه بضغطة زر ربما تنتهي علاقتنا بالكائنات الرقمية. هل ندرك أن الحياة الواقعية ألذ وأشهى؟ نستطيع أن نتذوقها ونستنشقها ونلمسها. لا يمكن أن نهدرها بحظر أو احتجاب. علاقة طبيعية حافلة بالنبض والعطر.

محزن مشهد البعض وهم مربوطون بأجهزتهم في المطارات والقاعات كأنهم مجرمون لا يستطيعون الخروج إلى الحرية والحياة. تجد الواحد منا لا يستطيع أن يترك جهازه حتى وهو يشحن. مربوط به بل أسير له. الجهاز هو حياته وغذاؤه. مصدر سعادته وحزنه.

لا تسمحوا لأي شيء يسيطر عليكم ويتحكم فيكم. لا تدعوا شيئا يقودكم بل قودوه.

استخدموها لكن لا تدمنوها. اجعلوها وسيلة لسعادتكم وليست أداة لتعاستكم.


بقلم: عبدالله المغلوث - الاقتصادية