العجوة.. التمر أو البلح: طعام الفقير وحلوى الغني!

كان الناس، ولا يزالون، يولون النخلة جل اهتمامهم، وكان النجديون كالحجازيين والحساويين وأهل بيشة والعراق ومصر وبلاد المغرب حتى الأندلس تزدان جنانهم بأشجار النخيل وفيها تكثر التمور وتتميز كل منطقة بنوع خاص من التمور، فالسكري في القصيم، وفي الأحساء الخلاص، والعجوة في المدينة وفي بيشة (الصفري) يقول الشاعر العربي: طعام الفقير وحلوى الغني وزاد المسافر والمغترب ولعل هذا البيت يختصر الكثير من الكلام عن أهمية التمر في حياة الناس، والذين يحرصون على تقديمه (رطبا) أو (تمرا) مع القهوة العربية المعطرة بحبات الهال والزعفران، تفوح رائحتها الزكية من كل أرجاء المجلس، تدور فناجين القهوة بين الضيوف تصاحبها حبات الرطب أو التمر فتكون حلوى لذيذة من هدايا الطبيعة الخلابة إلى الناس. كان الناس ـ ولا يزالون ـ يبدؤون مع موسم التمور، أو نزول الرطب حينما تبدأ حبات الرطب تظهر في قنوان النخيل فيمارسون معها لذة المطاردة والبحث بين حبات (البسر) الحمراء أو الصفراء التي تحولت من اللون الأخضر الفاتح. ومع اشتداد حرارة فصل الصيف تتكاثر حبات الرطب فيجنونه، وما يفيض عن حاجتهم يجلبونه إلى السوق إما بزنابيل من القش أو كراتين من الورق، أو حديثا بأوان من البلاستيك أو كراتين من الفلين. وتتكاثر أنواع الرطب في السوق، ويكثر أكل التمر مع القهوة أو اللبن، فإذا فاض عن الحاجة يترك في إناء كبير أو زنبيل أو ينشر على السطح لكي يتحول إلى التمر (البني الداكن أو القريب إلى الأسود). وبعد أن ينتهي موسم قطاف الرطب أو ما يسمى (الخراف) يجمع التمر ويجهز له مكان نظيف للحفظ، ويمر بمرحلة ما يسمى (الكنز) فيقوم الرجال أو النساء بإعداد المكان (غرفة صغيرة طولها متر وعرضها متر وارتفاعها متر ونصف) تنظف وتغسل ويكب فيها التمر بعد أن يغسل وينظف من الغبار أو التراب وينقى من الشوائب أو العيدان. ثم يرص بقوة ويوضع فوقه بساط من القش أو الخوص ثم يرص بقطع كبيرة من الحصى. عادة يكون للجصة فتحة في أسفلها ينزل منها الدبس أو العسل الأسود والذي يؤكل مع الخبز الأسمر ويدخل في مكونات العديد من الأكلات الشعبية اللذيذة، وربما يتم حفظ التمر أو كنزه في صناديق من الحديد الذي لا يصدأ كالتنك أو الألمونيوم. وبمثل هذا يحفظ التمر بعيدا عن كل الحشرات الضارة ليكون مؤونة كاملة للسنة حتى يأتي موسم الرطب في العام الذي يليه.