الألبان المتخمرة.. دليل مهم لوجبة متزنة!!

تقدم هائل في النواحي المرتبطة بالأهمية التغذوية والصحية للألبان المختمرة لم يتوصل العلم لإيجاد تفسير لفائدة الألبان المختمرة وأثرها في إطالة أعمار مستهلكيها (بإذن الله) إلا بعد اكتشاف البكتيريا العصوية المسؤولة عن تخمر الزبادي البلغاري (اليوغورت) في بداية القرن العشرين. ومنذ ذلك التاريخ تطور إنتاج الألبان المتخمرة من المستوى المنزلي إلى صناعة تقوم على أسس علمية وتكنولوجية متطورة. وقد ترتب على ذلك تزايد ملحوظ في معدلات الاستهلاك العالمية منها، مع تنوع هائل في خواص منتجات الألبان المتخمرة وتركيبها، إلا أن الزبادي بأنواعه المختلفة يمثل أكثر الألبان المتخمرة شيوعا واستهلاكا. عوامل الأهمية بداية يوضح د. محمد الحسيني عبد السلام أستاذ الألبان بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة أن أهمية الألبان المختمرة من الناحية الغذائية والصحية ترجع إلى عاملين: أولهما مكونات اللبن وما يحدث فيها من تغيرات نتيجة نمو البادئات (الكائنات الدقيقة النافعة) المستخدمة في إنتاجها ونشاطها. والعامل الآخر، هو الكائنات الدقيقة المستخدمة والتي يجب أن تظل محتفظة بحيويتها ووجودها بأعداد كافية في المنتج حتى وصوله إلى المستهلك. فمن التعريف المتفق عليه حاليا بالنسبة إلى الزبادي احتواؤه على 100 مليون خلية بكتيريا حمض اللاكتيك النافعة في كل جرام من المنتج على الأقل. ويضيف د. الحسيني أن من أهم التغيرات التي تحدث في تركيب اللبن نتيجة نمو البادئات المستخدمة في تصنيع الألبان المتخمرة تحويل سكر اللبن (اللاكتوز) إلى حمض اللاكتيك الذي يعطي الحموضة والقوام المرغوبين في هذه المنتجات. وبذلك فإن نسبة اللاكتوز الموجودة في الألبان المتخمرة تقل عن الموجود أصلا في اللبن المستخدم في تصنيعها، وهو ما يجعل الألبان المتخمرة مناسبة لتغذية الأفراد الحساسين لوجود سكر اللاكتوز في اللبن. من ناحية أخرى، فإن حمض اللاكتيك المتكون يجعل الألبان المتخمرة وسطا لا يناسب وجود المكيروبات المسببة للأمراض المعوية ومعيشيتها، وحتى التي يمكنها تحمل الحموضة فإنها لا تستمر فيها لمدة طويلة. وبالإضافة إلى الحموضة، فإن البادئات المستخدمة في إنتاج الألبان المختمرة تنتج مواد لها القدرة على القضاء على كثير من الميكروبات الضارة. ويوضح د. الحسيني أنه ينشأ عن نمو الكائنات الدقيقة المستخدمة في تصنيع الألبان المتخمرة تكون سكريات عديدة من سكر اللبن تسهم في تحسين قوام الزبادي وزيادة نعومته. ومن الناحية الغذائية، يعتقد أن هذه السكريات تنشط نمو البكتيريا النافعة المتوطنة في القناة الهضمية للإنسان. من ناحية أخرى، فإن الكائنات الدقيقة المستخدمة في تصنيع الألبان المتخمرة تعمل على تحلل بروتينات اللبن جزئيا فتكون أكثر قابلية للهضم والاستفادة من مكوناتها. وبالمثل فإن صور الكالسيوم الموجودة أصلا في اللبن تتغير إلى صورى آخرى في الألبان المتخمرة تزيد من معدل استفادة الجسم منها. الحليب والمزيد من الفوائد وحسب ما يوضح د.حمزة محمد أبوطربوش، أستاذ علوم الأغذية والتغذية بجامعة الملك سعود، فإن تخمر حمض اللبن يعتبر مسؤولا عن إنتاج الحليب المتخمر. وتعد هذه العملية التي يتحول فيها سكر الحليب (اللاكتوز) إلى حمض لبن، الطريقة التقليدية لحفظ الحليب، وتتم باستخدام أحياء دقيقة يطلق عليها بكتيريا حمض اللبن Lactic Acid Bacteria. وقد اكتسبت منتجات الحليب المتخمرة شعبية كبيرة في جميع دول العالم تقريبا نظرا لطعمها ومذاقها المميزين وقيمتها العالية. فقد جذبت بعض منتجات الحليب المتخمرة الانتباه لفوائدها الصحية، خصوصا بعد أن نشر العالم الروسي متشينكوف كتابه (إطالة الحياة) في أوائل عام 1900 والذي تحدث فيه عن الدور الصحي لبكتيريا حمض اللبن. وبالرغم من الجدل الذي أثارته فرضية متشينكوف حيال هذه البكتيريا، إلا أنها أدت إلى زيادة شعبية منتجات الحليب، كما أنها فتحت المجال للعلماء لسبر غور بكتيريا حمض اللبن واستقراء الدارسات الوبائية لمعرفة الدور الوقائي العلاجي لها. ويوضح د. أبو طربوش أنه لوحظ أن لبعض منتجات الحليب المتخمرة، وخصوصا تلك المصنعة باستخدام بكتيريا Lactobacillus acidophilus Bifidobatria، خصائص صحية عديدة، من ضمنها القضاء على البكتيريا التعفنية في الأمعاء بإنتاج المضادات الحيوية، وتوفير ظروف حامضية تمنع نمو البكتيريا التعفنية في الإمعاء بإنتاج المضادات الحيوية، وتوفير ظروف حامضية تمنع نمو البكتيريا الضارة، وكذلك تغيير الفلورا الطبيعة في الأمعاء لصالح البكتيريا المفيدة، والحد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من المركبات المسببة لبعض انواع السرطان، وزيادة امتصاص الكالسيوم وتخفيض كوليسترول الدم وتحفيز الجهاز المناعي في الجسم. زيادة محتوى دهن الحليب وما زالت البحوث المجراة على هذا النوع من البكتيريا تتحفنا بالجديد والمثير عن فوائد بكتيريا حمض اللبن، ولعل أكثرها إثارة في السنوات الأخيرة ما يتعلق بدور هذه البكتيريا في زيادة محتوى دهن الحليب من حمض اللينوليك المقترن Conjugated Linoleic Acid، وهذا الحمض عبارة عن خليط من متجازئات Isomers مكونة من 18 ذرة كربون ورابطتين مزدوجتين وله تأثير قوي وفعال على منع حدوث الأورام السرطانية. ويوضح د.أبوطربوش أن هذا الحمض يوجد في الدهون الحيوانية المنشأ وفي الحليب ومنتجاته المحتوية على الدهون. ويوجد هذا الحمض بصورة رئيسة في الحليب لأنه ينتج كمركب وسطي في مسار الهدرجة الحيوية Biohydrogenation Pathway نتيجة لأيض البكتيريا في المجترات، إلا أن تركيزه في منتجات الحليب منخفض نسبيا، لذا بذلت محاولات من قبل العلماء لمعرفة العوامل التي تؤدي إلى زيادة محتواه في الحليب. ونتيجة لتكونه كمركب وسطي في مسار الهدرجة الحيوية، فإن العلماء حاولوا تحوير العلائق المعطاة للأبقار لتتمكن البكتيريا من زيادة إنتاجه في الحليب مثل إعطاء علائق محتوية على زيوت نباتية غنية في حمض اللينوليك. وقد أدت هذه المحاولات فعلا إلى زيادة حمض اللينوليك المقترن في دهن الحليب. استخدام البدائل الحيوية ويوضح د. أبوطربوش أنه درست أيضا العوامل التي تؤدي إلى زيادته في منتجات الحليب مثل الأجبان والزبدة، حيث أدت إضافة كازينات الكالسيوم وبروتين الشرش أو مسحوق الحليب إلى زيادة مستويات حمض اللينوليك المقترن في الجبن. أما الاهتمام الأكبر الذي وجه لزيادة محتوى دهن الحليب من حمض اللينوليك المقترن فهو التوجه نحو استخدام ما يطلق عليه البدائل الحيوية Probiotics باستخدام سلالات من بكتيريا حمض اللبن المعروفة بدورها الوقائي والصحي في جسم الإنسان. وقد أجري العديد من البحوث في هذا الصدد لاختيار السلالات التي تقوم بهذا الدور، ودرست العوامل المشجعة لهذه البكتيريا لكي تقوم بدورها في زيادة محتوى الحليب من حمض اللينوليك المقترن في الجبن. ويؤكد د. أبو طربوش أن هذه التوجه يعد من أفضل الخيارات المطروحة في هذا المجال، لأنه معروف أن لبعض أنواع بكتيريا حمض اللبن مثل اللاكتوباسلي Lacidophilus وكذلك البفيدوبكتيريا المقدرة على زرع نفسها في امعاء الإنسان، وهو ما يعني استمرارية القيام بدورها الوقائي والعلاجي في الجسم لفترة معينة من الزمن (حوالي 7أيام) بعد تناول المحتوي على هذا النوع من البكتيريا. ومن ضمن ذلك بالطبع زيادة محتوي الحليب من حمض اللينوليك المقترن الذي يؤدي دورا فعالا في منع نمو بعض الأورام السرطانية، فعند وضع هذا النوع من البكتيريا في العليقة أو أي وسيلة أخرى ليصل إلى الجهاز الهمضي للحيوان، فإن فعل هذه البكتيريا يستمر لفترة من الزمن وهو ما يضمن زيادة محتوى الحليب من حمض اللينوليك المقترن. آثار صحية متعددة وقد أظهرت الدراسات المختلفة الآثار الصحية المتعددة للألبان المتخمرة التي يوجزها لنا د. الحسيني عبد السلام فيما يلي: -تحسين المقاومة الطبيعية للجسم بصفة عامة، خصوصا في الفئات الحساسة ككبار السن، وهو ما يكسب الجسم مقاومة لكثير من الأمراض المرتبطة بنقص المناعة. -خفض مستوى الكوليسترول في الدم، وهو ما يؤدي بدوره إلى الحد من أخطار الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. على أن هذا التأثير يرتبط كثيرا بنوع الكائنات الدقيقة المستخدمة في تصنيع الألبان المختمرة، فالأثر النافع للألبان المتخمرة على مستوى كوليسترول الدم يعزى إلى قدرة الكائنات الدقيقة المستخدمة على استهلاك الكوليسترول وعلى الحد من امتصاصه من الأمعاء: وهي ما تختلف من بادئ لآخر. -تحسين التوازن الميكروبي في الأمعاء بزيادة أعداد الكائنات المفيدة على حساب الكائنات الضارة. -الحد من أخطار الإصابة بالأورام السرطانية، والذي يعزى أساسا إلى ما تحويه الألبان المختمرة من كائنات دقيقة سواء أكانت حية أم ميتة، حيث إن نمو البادئ ونشاطه يمنعان حدوث التعفنات في الأمعاء وتكون المواد المطفرة (المسببة للسرطانات)، ويساعدان في إزالة سمية المواد الضارة التي تتكون في الأمعاء. من ناحية أخرى فإن نواتج تحلل الكائنات الدقيقة تعمل على تنشيط الجهاز المناعي للجسم وتقويته، وهذه التأثيرات مجتمعة تحد من أخطار الإصابة بالأورام السرطانية.