تؤكل صباحا مع كعكتها..كنافة الأجبان إفطار أهل لبنان!

لبنان في جنوبه وجبله وبقاعه.. للجبنة فيه تسمية واحدة بعد إضافة الكنافة إليها، وتكتمل طقوس تناولها صباحا، دائما صباحا مع كعكة خاصة تصنع من أجلها، ومع قطرات من السكر المذاب تصبح الكنافة بالجبن جاهزة لكي تلتهمها العيون قبل البطون ويفضل أن تكون ساخنة باستمرار. وحده الشمال ومدينته طرابلس وما حولها من ضواحي وما فوقها من قرى متناثرة على جبالها، للجبنة فيها مسمى آخر وطريقة إعداد مختلفة، ودائما من صنف معين، ورغم شيء من ملوحة فيها، إلا أن أهل الشمال المولعون بالمعارضة في كل شيء حتى في صنع حلوياتهم بادروا إلى نزع الملح من أجبانهم، ومع قليل من السكر اخترعوا حلوى خاصة بهم وأسموها حلاوة الجبن. إلا أنه بين حلاوة الكنافة وحلاوة الحلاوة بعض الاختلاف في طريقة تناول كل منهما، فالكنافة بالجبن هي من ضمن باقة أصناف الإفطار المتنوعة التي تضمها مائدة اللبنانيين كل صباح، كاللبنة، ومنقوشة الزعتر، والبيض باللحمة والسودة (الكبدة) النيئة. أما حلاوة الجبن فهي لكل الأوقات والمناسبات. وفي الذاكرة ما زالت ماثلة تلك الزاوية الضيقة في سوق صيدا القديم، حيث كنافة أبو عفيف الأشهر في المدينة ومحيطها قد شاركت في عرس تحرير الجنوب من خلال توزيعها مجانا ثاني أيام التحرير وإصرار (أبو عفيف) على تخصيص ريع يوم الأحد، وهو يوم إجازة في لبنان لدعم المقاومة. هناك غذاء مقاوم يا سادة، وتحديدا كنافة بالجبن حيث أصبحت رمزا لصمود وطن. وقصة الكنافة بالجبن مع اللبنانيين أو قصتهم معها تحتاج إلى توثيق العارف بهذه التوليفة الحلاونية، ولأننا لا ندعي صنعة أهل الاختصاص فإننا نفضل أن نتحدث عن عشاقها، وخير من يتحدث عن هذه الحلوى هم قوات الطوارئ الدولية في لبنان، حيث العديد من المحال قد تم افتتاحها في أماكن وجود قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، خصيصا لتقديم الكنافة بالجبن التي كانت أحد أسباب بقاء جنود (U.N) في لبنان لأكثر من ثلاثة عقود، وقصة بعض أفراد الكتيبة الغانية مع الكنافة بالجبن أصبحت مجال تندر بين سكان الجنوب، حيث زادت أوزانهم بطريقة لافتة للنظر أثارت استغراب زملائهم من كتائب الدول الأخرى، وذلك بسبب التهامهم كميات كبيرة من الكنافة بالجبن يوميا، الأمر الذي دفع القائد المسؤول عنهم إلى حرمانهم من تناول الكنافة بالجبن لمدة شهر حتى يستردوا أوزانهم الطبيعية. وكما في كل البلدان حيث خصوصية التمايز في نوع معين من الطعام، كذلك في لبنان الذي يستغرب بعض الناس كيفية تناول حلوى بعينها (الكنافة بالجبن) بوساطة كعكة على طريقة السندويتش صباحا في الإفطار! وهذا ليس التناقض الوحيد في لبنان، فكل شيء في هذا البلد يبدو متناقضا، وهذا ينسحب على تاريخه، وفي الجغرافيا التي ظلمته، وفي طوائفه وسياسييه، وحتى في ناسه، والأهم في ناسه. فهل يعقل أن تتناول إفطارك على علو (1600) متر في تجربة تستحق أن تقطع من أجلها رحلة تستغرق أكثر من ساعة، نحن فعلنا ذلك، والذي شجعنا على هذا المكان روضته التي يحف بها الجمال من كل جانب وهواؤه النقي الذي لم تصل إليه عدوى التلوث، فضلا عن أن نوعية الكنافة بالجبن لن نجدها في أي مكان آخر على حد قول صاحب الدعوة. تركنا بيروت مع ساعات الصباح الأولى بزحمتها وناسها فالوقت صيف، والكثرة تقصد الجبال لالتقاط نسمة باردة سرعان ما لفحت وجوهنا ونحن نغادر الساحل صعودا تتغير اللوحة إلى منظر طبيعي ولا أجمل.. الوقت يمر.. وفي المخيلة تلك الاستجابة السريعة لدعوة صديق يتباهى باكتشافه هذا المكان الذي يقدم خدمة جديدة في مجال الأطعمة، ومنها صبحية الكنافة بالجبن. تدلف السيارة إلى منعطف حاد أفضى بنا إلى منظر بانورامي ولا أروع. هذه هي البلدة التي نقصد، ولكنها بدت لنا وكأنها من غير ناس، فقط بقايا من أهل آثروا البقاء مع فيء العرائش.. والعمر ينساب مع الغياب. وتنبهت إلى صوت صديقي وهو يقول وصلنا. لا شيء في الخارج يدل على أن ما نقف أمامه هو مطعم، لا (يافطة) ولا واجهة زجاجية، منزل عادي ككل المنازل، وسرعان ما لاحت لنا صينية الكنافة بالجبن التي خرجت لتوها من فرن ضمها لساعة مضت. ومع صوت الماء المتدفق من شلال بقربنا تنتعش الذاكرة بحكايات ناس ذلك المكان، أي ناس كانوا ومن أي صخر قدت أجسادهم المفعمة بالحيوية والنشاط. الرائحة المميزة تستردك من مخيلة الزمن، إنها كعكة الكنافة بالجبن التي قطعنا من أجلها أكثر من 50 كيلو مترا.. ولم نندم على ذلك.