المطبخ الفرنسي ....رحلة واحد ة لا تكفي!!

حيرة الباحث في المطبخ الفرنسي تبدأ عندما يكتشف ضيق المساحة المتاحة له لإعطاء كل قسم في مطبخ فرنسا حقه من الاهتمام. لهذا ستكون جولتنا معكم سريعة ومختزلة قدر الإمكان، على ألا ياتي هذا على حساب قيمة هذا المطبخ الراقي. ولعل القسم الوحيد الذي يمكننا التطرق إليه هنا، ويتعلق بشكل غير مباشر بالمائدة الفرنسية، هو فن الإتيكيت الذي وضع الفرنسيون أساسه، وصار متبعا من قبل جميع الحضارات الأخرى. فليأكلوا الجاتوه نود التنبيه إلى حقيقة يعرفها الجميع والتي تتعلق بمقولة ملكة فرنسا ماري أنطوانيت التي قتلتها جملتها الشهيرة فليأكلوا الجاتوه التي رددتها حين ووجهت بصيحات الشعب الجائع الذي كان يطالب بالخبز. وإشارتنا إلى هذه النقطة بالذات عائدة إلى حقيقة أخرى، وهي تأثير الطعام على تاريخ فرنسا، حيث إن الثورة الفرنسية التي حدثت في عام 1789 وحركت الشعب في اتجاه قصر الملك لويس الخامس عشر إنما بدأت إثر تفشي الجوع بين الناس الذين كانوا يسمعون بالمكافآت التي يقدمها ملكهم لطهاة فرنسا والدول المجاورة كلما جاؤوا له بطبق جديد كان يتنعم به مع زوجته وحاشيته في احتفالاتهم الباذخة. التميز والشهرة قد يكفينا للتدليل على خصوصية المطبخ الفرنسي أن نعرف أن الطهاة في فرنسا لا يعتمدون التقسيم البيروقراطي الذي قسم الجمهورية إلى 95 جزءا، بل لا يزالون يستخدمون الأسماء القديمة للمقاطعات يلحقونها بأسماء أشهر أطباقها. فلو سألت الطاهي الفرنسي مثلا عن مناطق البلاد المختلفة فستجده يقول لك إن بريتاني هي موطن فطائر الكريب، وإن نورماندي هي مركز القشطة الناعمة والتفاح، وإن شامباني أفضل مكان لتذوق الأطباق التي تأثرت بالمطبخ البليجكي. ستجد الطاهي أيضا يذكرك بأن الألزاس واللورين تقدم لك أطباقا يبدو واضحا عليها التأثير الألماني والناتج عن احتلال ألمانيا لتلك المنطقة مرات عدة، بينما منطقة لانكويدو على الحدود بين فرنسا وإسبانيا فتمتاز بتأثر أطباقها بالمذاق الإسباني وطريقة التحضير. أما منطقة بوردو وبيرغاندي فتمتاز بصلصة الخردل المشهورة عالميا باسم خردل ديجون الذي يعتبر الأفضل في العالم على الإطلاق. وفي البروفانس في الجنوب تجد أطباقا منوعة تدخل في إعدادها عناصر منوعة عدة، وسيكون طبق الراتاتوي وطبق سلطة التونا أكبر شاهد على هذا الكلام. أما المناطق الجبلية فهي موطن الطيور الدسمة التي تعد منها أطباق كثيرة تعتمد على الأجبان في طهيها أيضا. الكوردون بلو الكوردون بلو أو الشريط الأزرق هو واحد من أعرق معاهد تعليم الطهي في فرنسا، ولقد اقترن اسم الكوردون بلو بالرقى منذ القرن السادس عشر، حيث قرر الملك هنري الثالث مكافأة جنوده على ولائهم بإعطائهم دروعا خاصة تتزين بشريط أزرق. وكانت الولائم التي تصاحب مثل هذا التكريم غاية في اللذة والفخامة حتى اتخذت مقياسا لرقي الذوق والتذوق؟ وقد التصق ذلك الاحترام والرقي بمعهد الكورون بلو الذي فتح أبوابه للمهتمين منذ عام 1895 في باريس ولا يزال يحافظ على مستواه وسمعته حتى الآن. الأجبان الفرنسية حتى عشر سنوات خلت كان العالم يشيد بعدد الأجبان الفرنسية التي تجاوزت في تنوعها الـــ365 نوعا، إلا أن هذا الرقم قد ارتفع مؤخرا ليصل إلى 400 نوع والتي حتما ستجعل الفأر الشهير ميكي ماوس يقف حائرا أمام كل هذا الاختيار. أما أذا كنت من متذوقي الأجبان، وذهبت في جولة حول فرنسا لتشبع نهمك من أجبانها، فستجد نفسك في حيرة أكبر من حيرة ميكي ماوس، إذا رحت تنتقل بين مزارع البلاد المختلفة التي تصنع الأجبان المحلية معتمدة على الحليب المبستر في بعضها وعلى إضافة مذاق شخصي إلى بعضها الآخر. ولأن أجبان فرنسا أكثر من أن نستطيع حصرها هنا، فسنذكرك لك فقط بعض الأنواع التي لا بد أن تجربها في أثناء زيارتك للبلاد، ومنها الكومونبير النورماندي الذي يمتاز بكونه جبن الخاصة والمتذوقين بسبب دسامته وتركيز المذاق فيه والناتج عن تحضيره من الحليب غير المبستر والذي يفرقه عن أنواع كثيرة أخرى من جبن الكومنبير التي يصنع بعضها في دول العالم المختلفة تحت الاسم نفسه. هناك أيضا جبن الروكفور الذي يطلق عليه اسم الجبن الأزرق بسبب العفن الحميد الذي يحتويه والذي يعطيه ذاك المذاق الخاص والرائحة المميزة. يدخل جبن الروكفور في تحضير الصلصات التي تضاف إلى أطباق اللحوم والدجاج وحتى البحريات لتزيد من لذة مذاقها. هناك أيضا الجبن المصنوع من حليب الماعز، والذي يضاف إلى بعض أنواعه الثوم أو الاعشاب، ويكون ذا طبيعة لينة ويقدم عادة مع أنواع التفاح والعنب بعد نهاية الوجبة الرئيسة. أما جبن الكومتيه ذو المذاق الحاد فيستخدم عادة في تحضير أطباق الخضار في الفرن، حيث يكسبها مذاقا مميزا، ويأتي أفضل أنواع الكومتيه من المناطق الجبلية. الصلصات ومركز المذاق يدرك افضل طهاة العالم وأشهرهم أن إتقان الصلصات الفرنسية هو أول شروط الحصول على لقب طاه متمكن. إن هذه الصلصات هي في الحقيقة مركز المذاق، حيث تضاف على أطباق أخرى بسيطة فتحولها إلى شيء آخر. ولعل صلصة الآيولي (الثوم والزيت) من أشهر هذه الصلصات، حيث تضاف إلى المقبلات وإلى أطباق رئيسة أخرى فتصبح أطباقا خاصة. هناك ايضا صلصة الديجون التي تحضر من خردل الديجون والتي تضاف عادة إلى الستيك أو أطباق السمك. أما أشهر الصلصات الفرنسية فهي الباشميل الذي يعد بسماكة ومذاق متنوع حتى يتناسب مع العناصر الغذائية الأخرى المستخدمة في هذا الطبق أو ذاك. وصلصات الجبن تتنوع بتنوع الأجبان في فرنسا ولا يمكن تحديدها، لكنها جميعا تعلن عن نفسها حين يحرص طهاة العالم على تعلم طريقة إعدادها قبل أي شيء آخر.