مكرونة بالبشاميل .. والصراحة راحة

كانت صينية المكرونة بالبشاميل هي أول طبق تذوقه زوجي من صنع يدي بعد انتهاء شهر العسل. يومها قال لي إنه أفضل طبق تناوله على الإطلاق. لكن الحقيقة التي لم يذكرها زوجي حرصا على مشاعري هي أنه يكره هذا الطبق ولم يأكله في حياته إلا مرتين كان مرغما عليه في كل مرة. وقد ظل زوجي يدفع ثمن إخفائه للحقيقة شهورا حيث كنت وقتها لا أجيد طهي أكثر من ثلاثة أطباق كان البشاميل أحدها. لم ألحظ وقتها كيف كان زوجي اللبق يصاب فجأة بالمرض أو يشعر بفقدان الشهية أو يتذكر موعدا مهما لابد من تلبيته فورا كلما عاد من عمله ليجد بعبع المكرونة بالبشاميل ينتظره على المائدة. وهكذا ظل زوجي يتجنب طبق البشاميل بدون الاضطرار إلى ذكر الحقيقة، خصوصا أن قدرتي على الطهي كانت تتطور يوميا حتى صار طبق المكرونة بالبشاميل لا يزور سفرتنا أكثر من مرتين في السنة، كان زوجي حينها يتحمله مرة ويتجنبه مرة أخرى بدعوتي لتناول الطعام في الخارج بحجة التغيير. لكن مأساة زوجي مع المكرونة بالبشاميل عادت للظهور عندما كبر أبناؤنا الثلاثة والذين لا يتفقون عادة على شيء واحد، لكنهم وبقدرة قادر يجتمعون على عشقهم للطبق الذي يكرهه والدهم. عشق أبنائنا لطبق البشامل يجعلهم يطلبونه مرة في الأسبوع على الأقل، ولا يمانعون أن جاء مخلوطا باللحم أو الدجاج أو الروبيان أو حتى السبانخ. كان الشك قد بدأ يساورني بشأن زوجي وطبق البشاميل، لكنني لم أتأكد إلا عندما سمعت أولادي ذات مساء وهم يخططون لتناول العشاء في أحد المطاعم الجديدة التي لم يكونوا جربوها بعد، يومها نبهتهم أن ذاك المساء ليس مخصصا للنزهة أو ارتياد المطاعم فإذا بأصغرهم يقول: بسيطة.. قولي لبابا إن عشاءنا الليلة مكرونة بالبشاميل ودعي الباقي علينا. وبسبب الفضول.. والفضول فقط جربت خطة الصغار وانتهى بنا المطاف ذاك المساء في المطعم الذي اختاروه وعندما رويت هذه الحكاية الطريفة لإحدى صديقاتي اكتشفت أنها وأولادها يتبعون الخطة نفسها ومنذ سنوات مستغلين في حالتهم كره والدهم لطبق الدولما. وأخشى ما أخشاه الآن أن يقرأ زوجي وزوج صديقتي هذا المقال، ويكتشفان الحقيقة فيتفقان بدورهما على الالتقاء في أحد المطاعم كلما جهزت صديقتي الدولما، أو هددت أنا زوجي بطبق المكرونة بالبشاميل.