حوار الأجيال..السكر

(جيـــــل 1) أبي الذي قاسى الأمرين وعاش حياة الخوف والرعب، وقاسى الحروب التي ألقت بكلكلها عليه قال لي: عليك بشراء السكر وتخزينه؛ لأن الحرب على الأبواب وهتلر كما يقولون لن يبقي ذرة سكر في يد أحد!! كان أبي صادقا، لأن السكر الأبيض الناعم اختفى من الأسواق مع اندلاع الحرب الكونية الثانية، وأصبح الذي يملك شيئا من السكر يشار إليه بالبنان، خصوصا إذا كان سكرا مكررا ذا لون أبيض. ولأني استمعت إلى نصيحة أبي فقد تاجرت بالسكر وربحت كثيرا خصوصا، في تجارتي بالسكر الأحمر الخام الذي لا يعرفه إلا الذين عاصروا أيامنا تلك التي اختلط فيها طعم الحلى بالسكر الأحمر الرديء!! (جيـــــل 2) السكر الأبيض المصفى غزا الأسواق وأصبح متاحا حتى نسي الناس السكر الأحمر الذي حكى لي عنه أبي مرارا.. جيلنا أصبح مغرما بسكر القوالب الذي يقدم من خلاله قوالب السكر في صورة مكعبات تذوب ببطء في أكواب الشاي.. نحن جيل صفى حسابات الأجيال السابقة مع السكر والذي كان عزيزا ثم ذل.. وحين ذل غدونا نسومه سوء الاستهلاك، حتى أصبحنا دون أن ندري أكثر الأجيال إصابة بالسكر والسمنة وأمراض العصر التي لم تكن منتشرة أيام السكر الأحمر! (جيـــــل 3) أذكر أن آخر مرة ذقت السكر الطبيعي كانت منذ عشرين عاما لأنني لا أستخدم سوى بدائل السكر، ولا أتناول الكولا إلا بعد التأكد من كونها دايت وخالية من كميات السكر الخرافية.. لو كان جدي تاجر السكر حاضرا بيننا، لغير من تجارته ونشاطه ولافتتح مركزا للأغذية الخالية من السكريات والدهون والنشويات.. وهذا بالضبط ما قمت به بالنيابة عن جدي، حيث أصبح تاجر السكريات والنشويات عدوا لملايين من المرضى الذين أسرفوا في التهام النعم.. ثم صبوا جام غضبهم على السكريات البريئة من جرائمهم النشوية والدهنية! المشكلة ليست في السكر.. المشكلة في الذين يلتهمون نصف خروف ثم يصرون على شرب دايت كولا!