المطـبــخ الهـــندي...الســر في التوابل والبهارات

رغم أن الهند أرض البهارات، إلا أن الهنود يؤكدون أن موطن البهارات الأصلي هو الصين، وأنها انتقلت إلى الهند منذ مئات السنين، ويقولون بأن أهل الصين لم يفقهوا حقيقة فوائد هذه البهارات وأهميتها للصحة، وأن أهل الهند قد أدركوا حقيقتها إدراكا متوارثا عبر القرون فعلموا أنها علاج وغذاء، فغدا المطبخ الهندي بذوقه ونكهته جامعا لطعم البهارات الخمسة ورائحتها ونكهتها: وهي الهيل والقرفة والزنجبيل والقرنفل والفلفل الأسود، ثم مالبث أن أدرك الهنود أن أرضهم أرض البهارات بكل أصنافها، ذوقا وتجارة، فجمعوا أشتاتا في مسمى واحد وكان الكري. والكري في شبه القارة الهندية ليس اسما لأنواع من البهارات بعينها، ولكنه فن لجمع النكهة تتفرد كل منطقة بخصوصيتها في إعداده، فتجده في مدراس قد حوى الهرد والفلفل الأحمر والبصل والثوم الجافين مع الكزبرة واليانسون والبهارات الخمسة وشيئا من أنواع أخرى، في حين تجده في دلهي قد حوى أوراق الغار إضافة لأكثر من سبعة بهارات أخرى وربما وجدته في موقع آخر وقد أضيف إليه زعفران.. وقس على ذلك. وذائقة أهل شبه القارة الهندية في تفاوت في إضافة البهارات لأطعمتهم. فيزعم أهل باكستان أنهم أقل القوم إضافة للبهارات على أطباقهم، وأن أهل الهند يبالغون في جعل أكلاتهم حارة مبهرة مفلفلة. ولعل في هذا الزعم شيئا من الحقيقة، بل ومن الحقائق أن أهل بنغلاديش يبالغون بصورة مفرطة في استخدام البهارات، كما أنهم يبالغون في تسبيك أكلهم وتركه على النار حتى يصبح داكن اللون، به كميات كبيرة من كل بهار تقع يد البنغالية عليه. ومسألة تسبيك الأكل والجور في طبخه وإطالة مدة بقائه على النار حتى يفقد جل الفيتامينات مسألة يشترك فيها كل سكان شبه القارة الهندية، وقد نقلت عنهم لأهل الحجاز. وبجانب البهارات المخرشة لجدار المعدة وتحطيم الغذاء بالطبخ يعيب المطبخ الهندي كثرة دهون أطباقه ودسامتها، وإن كانت هذه الصفة مشتركة بين كثير من مطابخ العالم شرقا وغربا. ورغم هذه الملحوظات التي تعيب المطبخ الهندي إلا أنه مطبخ لذيذ الطعام فاتح للشهية بنكهته وبهاراته، ويستطيع الحذق في فنون الطعام وفوائده أن يحل هذه المشكلات....!! وشبه القارة الهندية خصبة بخيرات كثيرة بداية من الأرز والحبوب ومرورا باللحوم ونهاية بالأعشاب الطبية والبهارات. فهي وإن كانت مصدرا لأصناف الأرز اللذيذة التي تحبها شعوب الأرض قاطبة، فهي أيضا بقالة لعطارة العالم أجمع. وتنفرد كل مجموعة في الهند بمحظورات ومسموحات في غذائها ويقول المسلمون إن ما يفرقهم عن الهندوس هو أكل اللحوم وبخاصة لحوم الأبقار التي يقدسها الهندوس. ولعل بعد الهندوس عن أكل لحوم الأبقار دفعهم عبر تاريخهم الطويل إلى البعد عن كل لحم فغدوا نباتيين أو شبه نباتيين. ويجتمع أهل شبه القارة الهندية بعادات في غذائهم وتناوله لا يكاد يشذ عنها إلا قلة منهم. فمثلا هم يجتمعون على الدستر خوان (السفرة) جلوسا على الأرض ويضعون الطبق الرئيس أمام ربة البيت (أو الأب) ثم تقوم بغرف الحصص المقننة لأفراد الأسرة الذين غالبا ما يلتهمون طعامهم بأصابعهم وهم يتلذذون بخلط مكونات الطعام بأيديهم بطريقة معروفة قبل التقامه. كما أن من عاداتهم أن يفطروا على الشاي بالحليب مع الخبز. والخبز عند الهنود أنواع، ففي باكستان هناك النان للإفطار، وهو شبيه بالتميس بالسمن عند الأفغان، والمشلتت عند المصريين، وعندهم الشباتي في الغداء والبابار وهو خبز منفوش مقلي. ومن العادات التي يجتمع عليها أهل شبه القارة الهندية عادات تناول الحلويات بعد الطعام، والحلويات الهندية مشهورة وهي تصنع من الحليب والسكر والسمن، أو من الحمص والسكر والسمن، ويحلو لهم وضع طبقة من رقائق الفضة على سطح الحلوى للتزيين. ولهم عادات أخرى أيضا، ولعل ما ينهي كلامنا عند هذه الحدود هو أن عالم المطبخ الهندي عالم مليء بأمور أخرى موغلة في تاريخه ونكهات بهاراته.