من نور الهدي النبوي في الطعام والغذاء

أصبح الغذاء والطعام وما يترتب عليهما من صحة أو مرض، من الأمور التي تشغل بال الكثير من الناس، خاصة مع ظهور عدد من الأمراض العصرية الناتجة عن أنظمة غذائية غير صحيحة، مما اضطر المختصين والمهتمين إلى الكتابة في هذا الموضوع، ولكن دون الوصول إلى قواعد أساسية واضحة وسهلة في تناول الطعام. ولما كان نظام النبي صلى الله عليه وسلم في حياته هو النظام الأمثل، رأينا أن نعرض هديه عليه الصلاة والسلام، وتوجيهاته لأمته فيما يتعلق بالطعام. ثلث للطعام!! ويتضح لنا هذا الهدي النبوي في الغذاء من قوله عليه الصلاة والسلام: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. هذا الحديث يؤكد أن العبرة ليست بتنوع الطعام وكثرته، وطرق إعداده المختلفة، وليس هذا من أسباب الصحة كما يعتقد الكثير، بل على العكس من ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن شر وعاء يحرص الإنسان على ملئه دون وعي هو بطنه، وقد جاء في الحكمة المشهورة: المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء. ومما يقرره الطب القديم والحديث أن إدخال طعام على طعام آخر لم يهضم يؤدي إلى أمراض متنوعة وربما لا تظهر هذه الأمراض إلا بعد فترة ، وتلافيها يكون بالامتناع عن الأكل حتى يشعر الإنسان بالجوع الحقيقي. وكذلك تناول أطعمة متعددة الأصناف ومختلفة التركيب والإعداد يؤدي إلى عسر في الهضم وربما أدى إلى تخمر كثير منها، وذلك نظرا لاختلاف طريقة ووقت هضم كل صنف بسبب طبيعته الأساسية أو طريقة إعداده، مما ينتج عنه بقاء بعض الأطعمة في المعدة مدة طويلة دون هضم. لقيمات قليلة إذن فالفائدة التي يحصل عليها الإنسان من الغذاء والطعام الذي يتناوله، ليست بكثرته ولا اختلاف وتنوع طريقة إعداده، ولكن بل بحسب حاجة الجسم له وكيفيته، والأخذ منه باعتدال دون إسراف، بل كلما كان الإنسان قليل الطعام كان أقرب إلى الصحة والبعد عن الأمراض منه إذا كان كثير الأكل. ولذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد هذه الحقيقة بقوله : بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. وعندما ننظر إلى الطبيعة البشرية نجد أنها تأبى أن تقتصر على هذا القدر من الطعام، خاصة مع التنوع الشديد في الأطعمة في هذا الزمن، وكثرة الوصفات والأطباق المحلية والوافدة والتي لا يتمالك الإنسان نفسه عند رؤيتها إلا أن يسارع إلى التهامها. ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى أرشد إلى الحل السليم لهذا الصنف من الناس، (الذين هم غالب البشر) بقوله : فإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلثه لنفسه . ثلاث مراتب ولقد قسم ابن القيم رحمه الله مراتب الغذاء إلى ثلاثة أقسام 1- مرتبة الحاجة: هي المعنية بقوله عليه الصلاة والسلام بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه وإذا التزم الإنسان بذلك، فإنه في هذه الحالة لا تسقط قوته كما يقول ابن القيم، ولا تضعف معها. فإن لم يستطع الاقتصار على ذلك، ودعته نفسه إلى المزيد من تناول الطعام، فإنه ينتقل إلى 2- مرتبة الكفاية :وهي أن يأكل الإنسان في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للتنفس. ولعلك تتساءل لماذا ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين الطعام والشراب والتنفس وقسمها هذا التقسيم؟ والإجابة عن ذلك هو أن لبطن الإنسان سعة وطاقة، فإذا امتلأت بالطعام لم يصبح فيها مجال لتحمل الشراب أو تحمل الشراب الكثير منه، فوروده عليها يؤدي إلى ضيق النفس وهذا أمر مشاهد ومعلوم . ولا يعني هذا أن الإنسان بمجرد أكله وشبعه بعض المرات، تحدث له الأمراض المختلفة، بل هذا متعلق بما إذا كان هذا هو غالب حال الإنسان، أما إذا كان تناوله الطعام بهذه الكيفية في بعض الأحيان فلا يضره ذلك بإذن الله فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال : والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا . أخرجه البخاري وأكل الصحابة بحضرته مرارا حتى شبعوا كما ورد ذلك في السنة النبوية . 3- مرتبة الفضلة: هي الزيادة والإفراط، والاستمرار على ذلك، فإنه في هذا الحالة يوقع نفسه في الخطر، ويسرع إلى الإضرار بنفسه من حيث لا يشعر، وبالاستمرار على ذلك تتولد عند الإنسان أمراض التخمة والسمنة، فيلجأ عند ذلك إلى العلاج وطلب الوصفات التي تعينه على تخفيف وزنه . والتي قد تنجح حينا وتفشل كثيرا، هذا بالإضافة إلى أنه ليست هناك - في هذه الحالة- فائدة حقيقة من الغذاء والطعام بهذه الطريقة، وإن ظهر للناظر أن الجسم قوي ومخصب. ومن تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أنه لم يكن يقصر نفسه على طعام واحد طيلة حياته، بل كان ينوع في طعامه، ولكن ليس كما يفعله الكثير اليوم، من إعداد أطعمة مختلفة ومتنوعة وتوضع كلها على المائدة، وإنما كان تنوعه على مدار حياته عليه الصلاة والسلام .