حوار الأجيال..العجين

(جيـــــل 1) كان التنور يحتل مكانا مهيبا في بيتنا.. وكان اشتعال النار طقسا احتفاليا أين منه مهرجانات الصيف السرطانية المثيرة للتثاؤب اليوم؟ والدتي تعد العجين، ثم تشرف على خبز ألذ أقراص ذقتها في حياتي، كان التنور وحجمه ومشتقاته بمنزلة مؤشر داو جونز الذي يحكي عن قوة اقتصاد كل منزل أو قرية.. وكانت والدتي لا تكف عن الحديث عن حجم تنورها الهائل، وجودة حطبها الآسر، وإتقان المنتج النهائي خبزا أو قرصانا أو رقا. كنا صغارا ملأت أجوافهم لقيمات نظيفة طازجة خرجت من أجود تنور في الدنيا .. تنور أمي!! (جيـــــل 2) كان المتخلفون فقط هم الذين لديهم تنور في بيوتهم، أما المتمدنون المتحضرون فكانوا يجلبون الخبز إلى موائدهم من الخباز الذي اغتال كل التنانير من البيوت الشعبية والشقق التي أخذت في الانتشار. عرفنا الصامولي لأول مرة... ورأينا المفرود وهو يهب من الشمال، وبدأ التميس يجد شعبية تزيح الخبز الذي شببنا على خلطته. تم كل هذا دون أن نعرف اليد التي خبزته، أو النار التي أنضجته، أو الخلطة التي كونته. الذي يسأل عن هذه الأسئلة هم المتخلفون الذين مازالوا يحنون إلى التنور، تنور أمهاتهم! (جيـــــل 3) في بيتي الجديد في ماربيا أصررت على أن يكون التنور تحت إشراف الشيف الذي وضع مقاساته وحجمه ودرجة حرارته، هذا الطباخ من فئة خمسة نجوم ألقى علي محاضرة طويلة عريضة عن أهمية أن يكون الفرن داخل المنزل، وأن يتم تخمير العجائن تحت إشراف منزلي مباشر، وبدأ في سرد قائمة طويلة من الأضرار المترتبة في حالة الاعتماد على المخابز العامة التي قال إنها تنخر الصحة والنظافة. كلام الخواجة لاقى هوى في نفسي.. فمازلت أحن إلى تنور أمي!!.