المطبخ اللبناني: عفوية الإعداد

لبنان جزء لا يتجزأ من بلاد الشام قلبا وقالبا.. وإن كان له خصوصية في بعض الجوانب فهي جزئية. وما عسى أن يكون المطبخ اللبناني إلا جزءا من لبنان هذا..! إلا أن به سمات عامة لا ريب فيها، أولها أنه لامناص من التسليم بأن المطبخ اللبناني مزيج من أطباق كانت أصولها من دول محيطة بالبحر المتوسط.. ولا يستبعد قول من يقول بأن جذور الطبخ اللبناني يونانية أو رومية.. ولكن..! ولكن لا سبيل للشك بأن لمسات المرأة اللبنانية، والطباخ اللبناني والطبيعة اللبنانية.. بل والبوتقة الشامية قد جعلت منها أطباقا ذات صبغة أخرى.. لها ذوق آخر لا هو ذوق البحر المتوسط ودوله، ولا هو شكل اليونان وروما.. جعلت منها شيئا فيه الشام وفيه لبنان.. وفيه عفوية أهله. أما عرفت لبنانيا وحدثته.. وحادثك؟.. أما رأيت عفوية في حديثه ولمست عفوية في إعداده للجمل.. وعفوية في تحليله لأمور الحياة.. هكذا هو المطبخ اللبناني.. وهذه هي سمته الثانية.. إنها العفوية في إعداد الأطباق فأصبحت سهلة في تحضيرها.. سهلة في مكوناتها .. وسهلة في هضمها. عصام ذبيان، لبناني.. لا يبتعد كثيرا في تخيله لأصول المطبخ اللبناني عن طبيعته العفوية في الحديث وإدراكه لثقافة مطبخهم.. يقول عصام بأن موقع لبنان الجغرافي الرابط بين الشرق والغرب جعله محطة للحل والترحال لمجموعة كبيرة من القوافل الوافدة برا وبحرا. فكان يستقبلهم أهل لبنان بكرمهم المعهود فيؤمنون لهم المكان اللائق للنوم ويحسنون ضيافتهم ويتبسطون معهم وتدور أحاديث الأطباق ويتم التمازج. ومع الأيام تطورت الأمور.. وهكذا أصبحت للمطبخ اللبناني صناعة لها خصوصيتها. إن ما يقوله عصام معقول وصحيح وبالعفوية نفسها يؤكد هذه المقولة ميشيل كاميلوس.. إلا أن للمطبخ اللبناني سمة ثالثة لم يقلها عصام ولا ميشيل.. إن للمطبخ اللبناني خصوصية مطبخ بلاد الشام بعمومها.. إنه مطبخ المقبلات والمحاشي والمشويات.. فمن أين هذه السمة؟ أمن الشام بعمومه أم تراه أوصلها لكل الشام بعد أخذها من قوافل البر والبحر؟ وللمطبخ اللبناني سمة رابعة لا تنفك عن طبيعة أرضه.. ولعل من زار مطعما لبنانيا بوشر بطبق من الخضار الطازجة منذ جلوسه على الطاولة. يؤكد عصام بأنه في لبنان نادرا ما تجد بيتا في جبل أو سهل إلا وبه حديقة تموج بكل أخضر مأكول من خس وخيار وطماطم وكوسة وبصل ونعناع وبقدونس.. وغير ذلك الكثير، كما قال عصام إلا أن ميشيل يؤكد أن أرض لبنان مليئة بالحبوب والبقوليات من فول وفاصوليا وحمص وأنها أرض للزيتون وزيته، فما عسى أن تصنع هذه الخيرات في مائدة اللبناني؟ إنه طبق الخضراوات الدائم يقدم طازجا مع الزيتون وزيته كإدام دائم مع الزعتر في كل بيت ووجبة لبنانية. ويختم عصام حديثه عن فلسفة مطبخهم بالتاريخ.. فعندما كانت ظروف العيش صعبة خصوصا في الشتاء حيث الثلوج التي تسد الأبواب في وجه الخارج من البيت، كانت (المؤنة) هي مستودع الطعام.. ففيها تحفظ الحبوب وعصير الطماطم والقزوما والفواكه المجففة.. وما أبدع اللبنانيون في حفظ طعامهم تجفيفا أو تخليلا إلا في عهد (المؤنة) وتساقط الثلوج في ذلك الزمان. شهرة عالمية يؤكد الأضياف دائما بأن المرأة اللبنانية تميل إلى تقديم أصناف وأطباق عديدة على المائدة منها أنواع من المقبلات التي يطلقون عليها المازة. ومنها أطباق باردة وأخرى ساخنة.. وكلها على مائدة واحدة. هكذا المرأة اللبنانية محبة لتقديم هذه الجملة العديدة من الأطعمة لضيوفها. يقول ميشيل كاميلوس إن المازة هي المقبلات اللبنانية، وهي كلمة تركية الأصل وقد حرفها البعض إلى كلمة مزة وهي تركيبة من الأطباق ذات شهرة عالمية وربما زادت أصنافها على المائة صنف. وللأطباق اللبنانية سمات أخرى متناثرة هنا وهناك.. فاللبنانيون شغوفون بوضع الثوم والكزبرة في طعامهم، ويعتقدون أن الثوم مطهر وقاتل للسموم.. هكذا يقولون. وينفرد الجنوبيون منهم بحب الكمون ويجتمع شمالهم وجنوبهم على أكل أجزاء الذبيحة وهي طازجة غير مطبوخة، ويصنعون منها أطباقا لعل من أشهرها الكبة النيئة. ولهم فروقات في طريقة اعدادهم للطعام لا يلمسها إلا لبناني.