إنها لا تأكل الفطائر

عندما طلب مني أطفالي الثلاثة اصطحابهم لرؤية العرض المقام في العقارية لإطعام الزواحف لم أعارض رغم تقززي من الفكرة. فأطفالي متعلقون بكل شيء مرتبط بالحيوانات ومن ضمنها الزواحف. وفي المعرض وقف الأطفال حول الصندوق الزجاجي الذي يحتوي على ثعبان كبير، وخلف الأطفال وقفنا نحن الأمهات نراقب مع أطفالنا، ونترقب اللحظة الحاسمة التي يقدم فيها الطبيب المختص الغذاء للحية. وحانت اللحظة، والتقط الطبيب فأرا أبيض صغيرا، وراح يقدمه للثعبان الذي بدا عليه عدم الاكتراث للوجبة، ربما بسبب الاهتمام الذي كان يحس به منصبا عليه من الصغار والأمهات. أو ربما لأن كل هذا الاهتمام أصابه بالتوتر فأفسد شهيته. كان الفأر خلال كل هذا يحاول التخلص من ملقاط الطبيب رافضا أن يقدم للثعبان دون فرصه للمقاومة أو الهرب. وبعد عدة محاولات فاشلة نجح الطبيب في شد انتباه الثعبان لفريسته فانقض عليها، ولم تمض إلا ثوان قصيرة حتى تحول الفأر إلى جثة هامدة. حدث كل هذا في لحظة. لحظة كانت كافية لتثير تهليل الصغار، بينما راحت الأمهات تردد بصوت يشبه الأنين المكتوم حرام عليك.. حرام عليك يا شيخ. والحقيقة أنني أحسد الثعابين على عاداتها الغذائية. فهي لا تأكل إلا ما تصيده بنفسها من فرائس حية تتحرك. ولا تتناول الثعابين طعامها إلا بعيدا عن أنظار المتطفلين والمراقبين. والثعابين لا تحتاج للأكل يوميا، بل تكتفي بعضها بوجبة كل أسبوعين أو حتى شهور.. وقد يفسر هذا رشاقة حركتها وتناسق أجسادها. ووجدت نفسي لحظة افتراس الثعبان لطعامه ملزمة لتفسير الأمر لأطفالي، فقد كنت أخشى عليهم من رهبة تلك اللحظة. فرحت أشرح لهم بأن ما حدث جزء من طبيعة الحياة. فالحيوانات لا يحكمها قانون. في الطبيعة يأكل الكبير الصغير ليعيش، والصغير يجد ما هو أصغر منه ليتغذى عليه. هنا قاطعني ابني عزوز قائلا: ماما. لماذا يأكل الثعبان الفئران. إنها قذرة أليست كذلك، رد عليه أخوه عبدالله بسرعة هي ليست قذره بالنسبة للثعبان هنا سألته ماذا تريده أن يأكل وهو في الغابة أو الصحراء. قال وهو يضع في فمه قطعة حلوى كان يخفيها في جيب بنطاله لماذا لا يأكل الفطائر؟ قالها بشكل طبيعي جعل كل الحاضرين يضجون ضحكا. انتهى بذلك توتر تلك اللحظة التي فصلت بين الحياة والموت وبين الجوع والشبع وبين وحشية الطبيعة ورأفتها. وعندما انتهى العرض وخرجنا رأيت الأمهات اللاتي انقبضت أمعاؤهن مثلي لرؤية الثعبان وهو يلتهم الفئران، رأيتهن يقفن مع أطفالهن أمام الكافتيريا المجاورة للمعرض لشراء البطاطس المقلية وسندويتشات الشاورما والآيس كريم وربما العصائر. ابتسمت وأنا أفكر ترى هل كانت الثعابين سترضى بأكل الفئران لو أنها عرفت بكل تلك الطيبات التي تحتويها الكافتيريا المجاورة؟.