زبدة وروتي في لاهور

كل شيء له صلة بذاكرة الطفولة لذيذ وجميل، أحيانا يتذكر الإنسان لذة لطعام وشراب ذاقه في طفولته الأولى، وقد لا يكون لذيذا إلا أنه مرتبط بذكريات جميلة جعلت مجرد تذكره لذيذا، وكم يبحث أحدنا، وكم يقضي أياما وأياما باحثا عن تلك اللذة فلا يجدها. لقد نشأت في عائلة من لاهور في الباكستان، حيث كنا نربي الأبقار والجواميس لنبيع حليبها ونعيش على الدخل الذي تجلبه لنا. وكان الغذاء الذي اعتدنا على تناوله أيام الطفولة بسيطا جدا. مازلت أتذكر كيف كانت جدتي تبدأ بخض اللبن المصنوع في البيت لاستخراج الزبدة منه، وكان ذلك يستغرق حوالي ساعتين من وقتها، ولا يمكن أن أنسى طعم تلك الزبدة الرائع بالرغم من أنني سافرت إلى بلاد كثيرة وتذوقت أطعمة مختلفة فيها، كانت جدتي بمساعدة عماتي تقوم بطبخ الطعام المنكه بالكاري والذي يحتوي غالبا على الخضار والعدس في الصباح الباكر. كن يخبزن (الروتي) وهو خبز خاص للصباح وبعد الظهر، كم كان طعم ذلك الخبز لذيذا جدا في الصباح. والشيء الذي يجب أن أذكره هو أن طعام الغداء لم يكن من عاداتنا إلا عندما يأتي إلينا الزوار. أحيانا كنا نضيف بعض الملح والفلفل الحار المطحون على طبق اللاسي (وهو ما يزيد من اللبن بعد استخراج الزبدة منه) ونأكله مع الروتي وكان طعم هذا الشراب يميل إلى الحموضة قليلا. أحيانا كنا نطهو البراث والتي هي في الأصل روتي مطبوخ مع السمن أو الزبدة الصافية. في البنجاب يأكلون خبز البر أكثر من الأرز، وكان الرز الحلو يطهى خصيصا لحفلات الزفاف. إن الأطعمة المقرمشة تعتبر طعاما خاصا للأطفال في جميع أنحاء العالم، وهي كذلك كانت خاصة بنا في لاهور. ويعتبر الألوتشانا طعاما شهيرا جدا، وهو عبارة عن بطاطس مسلوقة مقطعة ومخلوطة مع البازيلاء البيضاء والبصل المفروم والطماطم والفلفل الأخضر الحار مع صلصة تمر هندي ولبن. إني لازلت أذكر كم كان البائع قذرا وكنا نصاب بالأمراض لأن الطعام لم يكن نظيفا. كانت الساموسا أيضا أكلة شهية جدا بين الأطفال في تلك الأيام الخوالي، وكانت تقدم مع صلصة حمراء اللون تصنع من السكر وصلصة الطماطم، وكانت حشوة الساموسا عبارة عن لحم مفروم أو بطاطس مقلية. في فصل الصيف كان أكثر الأطعمة شهرة هو الثلج المكسر مع صلصة الورد الحلو. كان طعمها رائعا وخصوصا في أيام الصيف الحارة، وفي طريق العودة من المدرسة. كان الثلج يكسر ناعما (مبشورا) ثم يوضع في وعاء ويدخل فيه عصا صغيرة ويضغط بقوة لكي يتماسك الثلج على العصا ويوضع شراب السكر الملون على السطح. وخلال الإجازة المدرسية كان الشيء الوحيد الذي نحب أكله هو قطع البطاطس أو الهليم: وهو خليط من أنواع العدس مع خبز النان. إن الأطفال لا يحبون الخضراوات في أيام طفولتهم المبكرة مثلي، لذا فإن الطعام السريع الجاهز المتوفر في شوارع بلدتنا بوكارا تشانا كاري والبطاطس المقلية أو كفتة اللحم، هو البديل الوحيد الذي نحبه عندما لا يتوفر طعامنا المفضل في البيت. تصنع الـ بوكارا من البازيلاء البيضاء المطحونة والمخلوطة مع أوراق السبانخ وقطع صغيرة من الباذنجان والفلفل الأخضر الحار. إن الأطباق الخاصة في أيامنا هي مشابهة تقريبا لما نأكله في باكستان في الوقت الحاضر، ولكن الفرق الوحيد هو أننا كنا قديما نستعمل المزيد من الزبدة في الطهو أكثر منه اليوم. وأعتقد أن السبب هو العمل اليومي، لأن الناس كانوا يحتاجون إلى الأطعمة المغذية، كانوا يعملون في الحقل من الصباح الباكر إلى الغروب، حيث لم تكن توجد الآلات الحديثة، لذلك فإن معظم الأعمال يقوم بها البشر- لك أن تتخيل شخصا عليه أن يمشي مسافة 9-10 كم يوميا في الصيف أو الشتاء على حد سواء للذهاب إلى حقله أو مزرعته. يعتبر ساج طبقا شهيا في فصل الشتاء. وهو مكون من أوراق الخردل المقطوفة من المزرعة ومقطعة قطعا صغيرة ومطبوخة مع الفلفل الأخضر الحار لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات على نار هادئة، وعندما تصبح الأوراق طرية تهرس أو تطحن جيدا ثم يطبخ الأرز مع العدس ويسمى كشري وهو أيضا طعام مفضل للأطفال في منطقتنا، وهو طري وسهل الهضم، وفي هذا الطبق تستعمل الأمهات الأرز المكسر. إن الحليب والزبدة ومشتقاتها كثيرة الانتشار والاستعمال، أما الشراب الأحمر المخلوط مع الحليب فقد كان يقدم إلى الضيف في فصل الصيف.