الأبازير: تاريخ..نكهة..دواء

التوابل جمع تابل وهو ما طيب أو نكه به الأكل وكلمة تابل أفضل من كلمة بهار، حيث إن البهار في اللغة هو نبت طيب الرائحة يعرف بعين البقر. وتعرف التوابل بالأبازير في بعض البلدان. يحدثنا التاريخ ومن أشهر التوابل الفلفل الأسود ولو شاء شخص أن يكتب تاريخ فترة طويلة من حياة البشر قبل عدة قرون، لكانت التوابل هي موضوع تلك الفترة بلا منازع. فعن طريق التوابل، عرفت أوروبا الاستعمار الذي لاتزال آثاره باقية حتى يومنا الحاضر تعاني منه بعض البلاد الشرقية. حيث إن التوابل كانت تباع في أوروبا بسعر الذهب بل كانت أثمن منه وأندر، فكان الملوك والأغنياء هم وحدهم الذين يتمتعون بمذاق التوابل الحريف وشذاها المنعش. وبسبب الرغبة المحمومة في الإثراء العاجل، شد كثير من البحارة رحالهم إلى البلاد الشرقية ليملأوا سفنهم من نتاج الشرق هذا، ليبيعوه في بلادهم بأبهظ الأثمان. ورحلة ماجلان الشهيرة، التي كانت أول كلمة قيلت في كروية الأرض، لم يكن الدافع إليها علميا، إذ كان السبب الوحيد لتلك الرحلة هو محاولة العثور على أقصر طريق مؤد إلى البلاد الشرقية بلاد التوابل، ولأن إثبات كروية الأرض، ذلك الحدث العلمي الهائل، شيء ثانوي بالنسبة للهدف الرئيسي للرحلة. كذلك رحلة (كريستوفر كولومبس) التي كانت تهدف إلى الوصول إلى الهند، لم يكن دافعها سوى اكتشاف طريق أقصر إلى تلك البلاد، فكان اكتشاف القارة الأمريكية صدفة بحته. وإذ تبين أن الطريق إلى الهند لا يكون بالتغريب، وإنما بالتشريق، وأن البرتغال يراودها الحلم بالوصول إلى الهند بالدوران حول إفريقيا من الجنوب، وحاولت وتم لها هذا في القرن السادس عشر. وصلت البرتغال إلى مصادر التوابل في الشرق البعيد وحلت محل البندقية التي كانت آنذاك دولة وكان لها في البحر الأبيض المتوسط سطوة ولتجارة التوابل بها احتكار أثرت منه ثراء عظيما. وقد سيطرت البرتغال على البحار الشرقية وعلى سيلان ومالقة وملبار. وأخذ الثراء سبيله إلى لشبونة العاصمة لينصب فيها انصبابا. والثراء يغري بالمشاركة. وخير من المشاركة الاغتصاب إن أمكن وقامت بعد البرتغال هولندا تغتصب. فما كان نهاية القرن السادس عشر حتى كانت هولندا وارثة هذا الثراء، إلى حين. في عام 1800م دخلت إنجلترا الميدان وحلت محل هولندا. غير أن تجارة التوابل ضعفت في العهد البريطاني، وكان من أسباب ذلك تهريب الكثير منها إلى سائر بقاع الأرض واستزراعها هناك. ويحدثنا التعريف تعرف التوابل باسم الأبازير وهي أجزاء نباتية، فقد تكون أوراقا وسيقانا مثل البقدونس والنعناع أو قد تكون براعم وأزهارا مثل القرنفل والزعفران أو ثمارا مثل الفلفل الأخضر والفانيلا أو جذورا أو جذامير مثل الزنجبيل والكركم وعرق السوس والثوم أو بذورا مثل الخردل وجوزة الطيب والفلفل الأسود والأبيض والهيل وحبة البركة والكزبرة، وغيرها وقد تكون قشورا مثل الدارسين. وتحدثنا الجغرافيا تشتهر بعض البلدان بتوابل خاصة فمثلا نجد أن الهند وسيلان تشتهران بالهيل والقرفة، والملاي تشتهر بالزنجبيل والفلفل، وجزر مولاكاتش بأندونسيا تشتهر بجوزة الطيب وقشرتها والقرنفل، والمكسيك تشتهر بالفانيلا، وأمريكا الوسطى والجنوبية تشتهر بالفلفل الأحمر، وشمال إفريقيا وجنوب أوروبا تشتهر بالكراوية والمرمية والبقدونس والشبت والزعتر والخردل. هيا إلى عالمها الفلفل الأسود والأبيض، اليانسون، الشمر، الزعتر، ورق الغار، الهيل، الزنجبيل، الكراوية، الفلفل الأحمر الشطة، القرفة الصينية والسيلانية دارسين، القرنفل، الكزبرة، جوزة الطيب، خردل، مردقوش، زعفران، مرميه، حصا البان، كركم، حبة البركة، الطرخون. كل هذه توابل ومعا دعونا نبحر مع هذه الأنواع بشيء من التفصيل، عن فوائد كل تابل من التوابل المذكورة من الناحية الغذائية والطبية، ولتكن البداية بملك التوابل الفلفل الأسود. الفلفل الأسود Black Pepper ويعرف بحب الفلفل أو (كويل) ويعرف علميا باسم (Piper Nigrum) من الفصيلة الفلفلية. تنمو أشجار الفلفل في المناطق الاستوائية ذات الرطوبة العالية مثل الهند وأندونسيا ومدغشقر، والهند الصينية، والجزء المستخدم من شجرة الفلفل: الثمار والزيت والجذور. وللفلفل الأسود تاريخ عظيم فقد أطلق عليه اسم ملك التوابل وقد عرف الفلفل منذ عام 327 قبل الميلاد حيث استخدمه الإنسان منكها لطعامه حيث يكسبه الطعم الحار اللاذع والرائحة العطرية النافذة، ويحتل المركز الثاني بعد ملح الطعام. وقد استخدمه المصريون القدماء وكانوا يسمونه بب وعرفه الإغريق وتحدثوا عن فوائده، وشاهد (كولومبس) سكان الهند الغربية يستعملونه، وبعد رحلاته بوقت قصير وصل الفلفل إلى أوروبا. وفي عام 1600م انتشر الفلفل في المناطق الحارة ويزرع حاليا في جميع تلك المناطق. وهكذا بقي الفلفل يحتل مكانة هامة لدى الشعوب كلها ومازال يحتفظ بتلك المكانة وأسعاره لم تنخفض رغم انتشار زراعته ووفرة إنتاجه لاسيما في تلك المناطق التي تستهلك منه ملايين الأطنان. الفلفل الأبيض وهو الفلفل الأسود نفسه إلا أن طريقة تحضيره وتجهيزه تختلف حيث تقطف الثمار قريبة النضج من الفلفل الأسود وتنقع في الماء حتى تنفصل القشرة الخارجية للثمار. تؤخذ الثمار وتزال قشرتها ثم تجفف وتصبح ملساء ذات لون أبيض يميل إلى الصفرة. ورغم أن هذا النوع أقل حرارة من النوع الأسود إلا أنه يفضل عليه في التجارة وسعره أغلى. الفلفل الطويل وقد عرفه الرومان أكثر من معرفتهم للفلفل الأسود أو الأبيض ولأن له أهمية كبيرة في العصور الوسطى وهو عبارة عن الثمار الكاملة التي تجمع من شجرة الفلفل قبل النضج وتجفف في الشمس أو على نار هادئة، وهو يحوي المواد نفسها التي يحويها الفلفل الأسود، ولكنه يتميز بطعمه الحلو ورائحته العطرية القوية والمميزة ويعرف الفلفل الطويل باسم دار فلفل. الفلفل الأفرنجي وهو نوع من التوابل له نكهة شبيهة بتلك المركبة من القرنفل والقرفة وجوزة الطيب ويسمى الفلفل الأفرنجي أحيانا، فلفل (جامايكا) ويتم الحصول عليه من الثمار العنبية غير الناضجة لنبات (البيمنتو) وتجمع الثمار يدويا ثم تجفف على أسطح واسعة لتطحن فيما بعد على هيئة مسحوق أو تباع كما هي. ويستعمل الفلفل الأفرنجي لتتبيل المواد المخبوزة والسمك والمخللات واللحوم المدخنة ويستعمل الزيت المستخرج من الثمار في صناعة عطور الصابون ولإخفاء طعوم بعض أنواع الأدوية. فلفل كاوه اسم لاثنين من الأشجار تنتميان لنبات الفلفل وتسميان أيضا (أفا)، وتنموان في أستراليا وجزر المحيط الهادي حيث زرعت منذ قرون ويستخرج من النبات عصير يعرف باسم كافا كافا وتستخدم جذور هذين النباتين المجففة مطهرا ومانعا للعفونة ومدرا للبول. هناك نوع يعرف باسم الكباية وهو يشبه الفلفل إلى حد ما إلا أنه يوجد به ندبة بارزه في أحد الأطراف وهذا النوع من نفس جنس الفلفل الأسود ويختلف عنه في التأثيرات والمحتويات الكيميائية ويجب عدم الالتباس بينهما. قال عنه ابن البيطار: الفلفل الأبيض يقع في الأكحال ويجلو، وهو المقصود في الطب وقال ابن سينا: يمضغ مع الزيت فيقطع البلغم ويسكن الوجع ويسخن العصب والعضلات تسخينا لا يوازيه فيه غيره. ينفع الأسنان مع الخل ويوقف ألمها وهو نافع مع العسل تحنكا. الفلفل هاضم ويشرب لدم الطحال، والفلفل الأبيض أصلح للمعدة وأشد تقوية لها، والدار فلفل (الفلفل الطويل) يحدر الطعام بسهولة، وكذلك يقوى الطلق ويحدر الجنين. وإذا شرب الفلفل مع ورق الغار الطري ينفع من المغص، وينفع من نهش الهوام طلاء بالدهان. وقال عنه دواد الأنطاكي: يجلو الصوت ويحلل السعال وينفع في الربو وضيق النفس، وإن طبخ في أي دهن يذهب الرعشة والفالج، وقال عنه الرازي: الفلفل هاضم للطعام وكاسر للريح وعلى المبردين أن يكثروا منه في طبيخهم فهو ملطف وجيد للهضم ويمنع تولد الفضول الغليظة ويسخن الدم ويرققه حتى يحمر لونه ويذهب بالجشأ الحامض. يجب على من به قرحة في أمعائه أو حرقة في بوله أو حمى أن يتجنبه، ويقول المعتمد: إذا خلط بالزفت حلل الخنازير (أورام تتكون في الرقبة)، وإذا خلط بالنطرون جلا البهق، الفلفل الطويل حار رطب كالزنجبيل مقو في الجماع وهو جيد لورم الطحال ويدر البول والحيض ويقع في الترياقات. يحد الذهن ويمنع النسيان، وإذا سحق وعجن بصفار البيض المشوي والوطاس المحروق نفع البواسير والنواصير. يطلى به الورك فينفع من عرق النسا. وعرفنا عن فوائده حديثا هناك عدة استعمالات منها داخلية ومنها خارجية. الاستعمالات الداخلية: -مشه ومنشط للهضم ويزيل الأرياح ويعتبر أحد التوابل الهامة. - نافع في بعض حالات الحمى ويقع في ترياقات السموم. - يوضع مع الحليب الساخن شرابا شتويا مدفئا ومقويا للباه وللجهاز العصبي المركزي ويفيد الرشح والنزلات الصدرية. - إذا أخذت منه كمية قليلة على هيئة مسحوق وسف فإنه يساعد على إزالة الانتفاخ في المعدة وتسكين المغص ويزيد إفرازات المعدة. والإكثار منه يسبب تهيجها وعليه لا يصح أن يستعمله المصابون بأي التهابات داخلية، واحتقانات الأوعية الدموية (البواسير والتهابات الكلى، والمثانة، المبيض والمعدة). - له تأثير مخرش ومحمر للجلد حيث يصنع منه لصقات لأوجاع المفاصل. - يوضع مع بعض الأكحال لجلاء ظلمة البصر. - إذا خلط مع العسل والبصل فإنه ينبت الشعر المتساقط بمرض الثعلبة. - إذا خلط مع الزفت فإنه يفجر الداحس أو الدمامل. - مسحوق الفلفل ينفع لتسكين آلام الأسنان المسوسة بوضعه عليها مباشرة. - له خاصية مضادة للجراثيم والحشرات. - إذا مزج بالزيت وطليت به الأورام التي تنشأ في العنق فإنه يحللها. حدود آمنه الجرعة المفردة ما بين 0.3- 0.6 جرام ثلاث مرات في اليوم أو بما لا يزيد عن 1.8 جم لليوم الواحد. ورغم هذا فإياك - يجب عدم استخدام الفلفل للأطفال دون سن الثانية - يجب عدم استخدامه كعلاج للمرأة الحامل وخصوصا في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل حيث إنه منشط للرحم ويمكن أن يسقط الجنين. - يجب عدم استخدام الفلفل للذين يعانون من قرحة أو التهابات في الكلى والمثانة وغيرها. - يجب عدم الاستمرار في استخدامه كعلاج لأكثر من أربعة أسابيع وإذا شعر الشخص المستعمل له بأي أعراض غريبة عليه إيقافه تماما. - يجب عدم استخدامه مع أي أدوية أخرى سواء كانت كيميائية أو عشبية إلا بعد استشارة الطبيب المختص.