الخبز.. رفيــق الموائــد لكثير من الشعوب

كلمة خبز وما يقابلها من لغات العالم تعني دقيق القمح المعجون بالماء والمضاف إليه شيء من المضافات والمخبوز بعد ذلك. أما هذه المضافات فهي عديدة، و هي التي تجعل من الخبز أسماء وأنواعا إلا أن أهمها التي تكاد تضاف لمعظم تلك الأصناف هي الخميرة والملح. الخبز تاريخ وجغرافيا كان الخبز في بادئ الأمر يصنع من الحبوب البرية وبذور النباتات الطبيعية، إذ كانت تطحن هذه الحبوب بواسطة الحجارة حتى الجريش أو الدقيق ثم تعجن بالماء، وتجفف تحت أشعة الشمس أو قد تخبز على الفحم الحجري. وتشير الدلائل التاريخية إلى أن سكان أستراليا الأصليين هم من كان يستخدم مثل هذه الطريقة في عمل الخبز. كما تشير الدلائل إلى أن الخبز كان في مرحلة سابقة أو تالية لتلك المرحلة عبارة عن أشكال مفرودة قاسية جافة تخبز في أفران بدائية، وأن أول من أعطاها الشكل الحالي هم المصريوين قبل أكثر من 6000 سنة. ويبدو أن تطور الخبز كما نعرفه اليوم ربما قد نشأ متوازنا مع تطور جميع الحضارات في العالم. إن معظم الدراسات المدونة عن تاريخ الخبز تأتي من الشرق الأوسط. بدأ المصريون القدماء بزراعة الحبوب مثل القمح والشعير عن طريق تهجين القمح البري والأعشاب، وقد تواصل هذا العمل طوال آلاف السنين واستخدم في جميع المناسبات الدينية والاجتماعية. اكتشاف الخميرة وإنه على الأقل قبل ثلاثة آلاف عام، تم اكتشاف تأثير التخمير على الخبز مصادفة. ويعتقد أن بعض الخبز قد ترك في الهواء لفترة طويلة كافية لجذب جراثيم الخمائر وأدت إلى تخمره. وقد أدى هذا إلى حبس الغازات في الخبز وانتفاخه. وقد انتشرت هذه التقنية الأولية إلى جميع البلدان التي تحيط بالبحر الأبيض المتوسط. ولكن الرواية الأخرى تقول إن الخبازين المصريين كانوا يعجنون العجينة بأقدامهم (لكبر حجمها)، وبما أن أقدامهم كانت ملوثة طبيعيا ببعض الخمائر فقط كانت تنقل الخمائر من أقدامهم إلى الخبز وتخمره فاكتشفوا السر. وإن كانت هذه هي البدايات فإن إضافة الخميرة إلى الخبز اكتشفت في حقبة موغلة في القدم. تحسينات وما إن انتشر استخدام الخبز المضاف إليه الخميرة حتى كانت مسألة وقت فقط قبل أن تدخل التحسينات على الخبز. مثلا قام الرومان بتجفيف العجينة الحامضية ثم بنقعها في الماء قبل خبزها. وقام المصريون بتطوير فرن طيني أسطواني الشكل لتحسين طريقة الخبز. وكان هناك أيضا تحسينات في طريقة طحن الحبوب مثل إدخال الطاحونة الدوارة في العام 1000 قبل الميلاد. وكانت هناك أيضا تحسينات موازية في عمل الخبز في حضارات أخرى مثل الإنكاس والهنود الحمر والحضارات الآسيوية والهندية والإفريقية. إن أكثر التاريخ تفصيلا عن نشأة الخبز وزراعة القمح يأتي من وثائق ومدونات الحضارات الآسيوية والشرق أوسطية والأوروبية. وبدأ التقنين بدأ تنظيم عملية تصنيع الخبز في القرن الحادي عشر للميلاد، وذلك بوضع الأسعار والأوزان من قبل الحكومات. وفي أوروبا نشأت فكرة درزن الخباز وتساوي 13 رغيفا (وليس 12) وذلك لحماية المستهلك من احتمال النقص في وزن الرغيف وتمثل عمولة للبائع. إن التطور في أساليب الزراعة أدى إلى إمكانية إنتاجية كبيرة من القمح والحبوب الأخرى. كما أن تطور الآليات في البلدان المختلفة أدى إلى تحسن في طريقة طحن القمح وتحسن في حراثة وزرع وإنتاج الحبوب. وفي العموم فإن إنتاجية الخبز واصلت تحسنها مع التحسينات التي ظهرت في الإنتاج الزراعي وإنتاج الدقيق. ومع تحضر المجتمع الذي بدأ مع الثورة الصناعية فقط استقل أصحاب المطاحن عن أصحاب المخابز. فقد بقي أصحاب المطاحن في الريف بقرب مكان إنتاج الحبوب بينما انتقل أصحاب المخابز إلى داخل المدن ليكونوا بالقرب من المستهلكين. الخبز طرائق وطرائف تحتفظ بعض الحضارات التي سادت على وجه الأرض بموقف أو أكثر مسجل عن الخبز، وقد تكون تلك المواقف داخل تاريخ الحضارة نفسها أو خارجها، ففي مصر وحضارتها في عهد نبي الله يوسف عليه السلام يذكر لنا الله سبحانه وتعالى قصة ذلك السجين الذي رأى الطير تأكل من فوق رأسه خبزا. وقديما جدا كان لخبز الشعير تقدير خاص عند اليونان، كما كان للخبز دور في تاريخ استراليا. فكثير من المستوطنين الأوائل في هذه القارة هم من الذين أدينوا في جرائم سرقة الخبز (في بلادهم) وأرسلوا إلى هناك كعقاب لهم. وكان دقيق القمح هو الغذاء الرئيس في هذه المستعمرة، وكان يصرف من مخازن الحكومة. وكان أول مخبز من نصيب مدينة سيدني، وكان يشرف عليه جون بالمر الذي كان قد وصل مع أول فوج سفن تصل إلى الجزيرة. وكان ذلك المخبز مجهزا بجميع المعدات الضرورية وألحقت به طاحونة هوائية. وكان المخبز لا يقتصر على بيع الخبز فقط، بل يقوم بطحن الحبوب مثل القمح والذرة والشعير للزبائن. ولأهميتها الكبيرة فقد تم تنظيم عمليات الطحن والخبز مع تنظيم الاتحادات والأجور وساعات العمل. حركة إلى الأمام جاءت التحسينات في كل أوجه عمليات الخبز مع الهجمة المعروفة على الذهب والتي كانت في عام 1850م وما بعده. وكان وصول مواقد الحطب من أمريكا له الدور في تحسين الخبز في المنازل. وكانت تخلط الخمائر المصنوعة من حشيشة الدينار مع السكر والبطاطس لعمل خميرة الخباز. وجاءت المطاحن الأسطوانية من المجر سنة 1880م والتي ساعدت في زيادة إنتاجية الدقيق. وكان لايزال يتم صنع الخبز يدويا حتى عام 1900م حين بدأ التحول تدريجيا نحو الميكنة. وفي عام 1908م تم افتتاح مخبز آلي كبير في ميلبورن وتبعتها مدن أخرى بعد وقت قصير. وقد كان توزيع الخبز إلى المنازل يتم بواسطة نقله بالخيل أو بالعربات التي تجرها الخيل، وبعد فترة ليست بالقصيرة استخدمت الشاحنات الصغيرة في توزيع الخبز. اتضاح الرؤية الحديثة في أوروبا وأمريكا كان كل الخبز المبيع في بداية القرن الماضي هو الخبز الأبيض، وكان الخبز الأسمر يعتبر نوعا من أنواع الهواية أو الموضة، بينما كان الأسمر هو السائد شرقا. وقد ظهر أول خبز مغلف في عام 1925م. وفي عام 1928م كان تغليف الخبز قد أصبح عملا رائجا. وفي الثلاثينيات والأربعينيات حصل تغيير كبير في صناعة الخبز. فقد تحولت المخابز إلى الميكنة والآلية وزادات تكلفة نقل الخبز وتوزيعه. وقد أنتج هذا مجموعة من المخابز متوسطة الحجم وبدأت عملية توزيع الخبز وبيعه في البقالات وتطورت المخابز وأدخلت الطرائق الحديثة والعصرية في عملياتها، وظهرت شرائح الخبز المغلفة وصارت أكثر شعبية من الخبز الكامل. وفي الستينيات ومع تحول البقالات الصغيرة إلى أسواق مركزية (سوبر ماركت) تحولت المخابز متوسطة الحجم أيضا إلى مصانع كبيرة لإنتاج الخبز.