بلا قيود

ألوان قوس قزح اكتسحت بالسواد .. عمري لم يكن يعرف معنى الدموع.. لطالما تعجبت منها.. تلك التي تراق على الخدود من قصص الحب.. كنت أحسبها أسطورية.. كما في القصص التي أقرؤها فقط.. حتى خلت للحظة من اللحظات بأنني .. بلا قلب.. لا أملك مشاعر.. لا أحاسيس .. تنبض .. اجتزت المرحلة الجامعية وأنا أرقب كل الثنائيات .. أضحك .. وأسخر منها.. وأنعت شباب الجامعة بالأطفال.. نعم.. كانوا أطفالا في نظري لا يستحقون أن أسير معهم في دربي الجديدة. ظلت ألوان الطيف.. رائعة.. ألوان قوس قزح مبتهجة.. مفرحة.. في قلبي زغاريد تنطلق حتى تعلن عنها ضحكاتي البريئة السعيدة .. إلى أن .. منذ متى كنت؟ وماذا حدث؟ عندما دخل إلى حياتي .. كصاعقة من فرح.. عدت إلى تقويم عمري وشطبت على أيامه.. وكأنني لم أكن.. ولا كنت إلا معه.. حتى صرت أسير بهديه.. أتنفس بأمر منه.. تخرج كلماتي من معجم روحه.. تتنهد روحي لآلامه .. تنتعش على أنغام ضحكاته أغنية عذبة.. وكان ملاكا اقتحم عالمي الحي.. لأرتحل معه.. في عوالم جديدة.. لا تعرفها طقوس حياتي.. صرت أفتش في قواميس العشق عن أبجدية جديدة .. يتلوها لساني .. علني أصل إلى مستواه في تنظيم قوافي الهيام. والوله..و .. ومع ذلك.. كان شاعرا.. ولا كل الشعراء.. قاصا مبدعا.. روائيا.. فنانا.. يبرع في رسم لوحات فرحي.. واعتصامي .. في حين أني لم اكن إلا أمية تتهجأ حروف الحب.. صرت أسيرة بلا قيود. حقيقية .. أصبحت قمرا مضيئا في أعالي الصحراء القاحلة.. يحنو على نجم ساطع بريء .. بلا أمسيات بكاء.. أغفو على أحلامي المتجددة وأنا أردد على مسامع قلبي أنشودة اللقاء المزدهر بالأماني .. أطبطب على أمانيه المسجونة .. أداري سقم عمره .. ألقن مر أيامه حلو الأنسام.. ابتسامتي العذبة كانت سفنا مبحرة في سفينة عواصف احتضاراته المتتالية.. كم كنت أتمنى أن أزرع دروبه بالأقحوان .. وأزين خطواته المتلعثمة بياسمينة مني .. ومرة بعد مرة.. بدأت تتضح الأمور.. أتقن تمثيل دور المعذب.. ليحتل ركن قلبي الدافئ.. وتوالت كوابيس الحقيقة لتقتحم أحلامي .. لكنني لم اصدقها.. تناسيتها مع حقيقة نبضاتي. الليل طويلا صار .. وأنا هنا في وحدتي تغادرني النجوم .. والقمر يرتحل بعيدا لتصبح قاتمة اللون ليالي .. أتنهد .. أشهق.. أحاول أن أتنفس نسيم الأمان لكن غصة تجرح حلقي الذي اعتاد على أغاني الفرح.. أسأله.. أواجهه.. لم تغادر شواطئي الآمنة .. إلى بحر الضياع.. وأنا قد كنت .. وكنت.. وكنت .. على حد زعمك.. لكنه هكذا.. يردد ببرود.. أحبك.. أحبك.. تلك الكلمة التي اعتادت مسامعي على أنغامها.. حتى أدمنتها .. لكنني وقتها .. لم أجد فيها أي لحن.. ثم يردف قائلا.. لكنني لن أستطيع.. ولم؟.. هذا السؤال العقيم والجواب.. وتنهال علي أسباب واهنة.. ضعيفة ليس لها أي منطق.. ولا وجود.. أضيع في غمتها.. في متاهاتها.. أحاول أن أصدقها.. لكن.. فأرحل عنه.. أختبئ في زاوية معزولة مع آلامي ليعود ويسأل ويفتش عني يشتاق إلي على حد زعمه.. وما هذا المنطق الغريب؟! أحبك واشتاق إليك.. لكنني لن أستطيع الاستمرار معك إلا على حد الاشتياق.. وذكرى الحب.. إذن.. كنت تمثل.. كنت ترسم تلك اللوحة لترميها.. بعد العرض.. أقولها غاضبة .. لا عليه.. بل على نفسي التي انهزمت أمام وعود .. حسبتها صادقة.. لكنه ينفي أنه كاذب .. ينفي تلك الحقيقة الواضحة.. بل ويتعجب من تفكيري به على هذه الصورة.. لا يريد تمزيق اللوحة.. فقط وضعها جانبا كي أحتضر عمري على حوافها وأبكيها.. ويتحدث بلسان الحريص علي ليحذرني من الوقوع مجددا في شراك أيد لا تعرف الرحمة.. إذن تلك هي صفاته.. أقولها له.. وماذا كنت أنت؟.. ينبغي هذا أيضا.. يخدر جرحي. يحاول ذلك.. وأنا متيقنة تماما استمرارية اللقاء.. أن أحبه .. وأتمناه في الأماني فقط.. دون تحقيق.. بل ليقتلها ويرحل.. دون أن يعترف بذلك.. ولا يرضى بأن أسلم قلبي الدافئ .. إلى ربان آخر.. حتى ولو كان مرفأ أمان لضياعي.. أغلقت صفحات الذكريات وأنا أنتحب وأبكي.. استرجعت فيها ما كنت أنعت به صديقاتي من ضعف لبكائهن على من أحببن.. أردت.. بل حاولت إمساك أول خيط من ذاكرتي حيث كنت أنعم بدفء السكينة .. أضحك وأفرح .. أنام حين أضع رأسي على الوسادة.. وأغفو في أحلامي البريئة .. لاعلى ذلك الحلم الذي لا يرضى أن يفارق وسادتي .. في أن يعود إلي يوما ما.. هل تراه سيفعل؟!..