في الانتظار

يبدو العمر في لحظة كالماء وهو يتساقط من بين الأصابع، ولا نشعر إلا وريح الزمن مع أيامنا تتسابق ويمضي بنا القطا المتسارع، وفجأة عند محطة الانتظار، كل شيء يتوقف جامدا، وكأن الزمن ليس واحدا، ومن يعرف حجم الليل في محطة الانتظار؟ للانتظار ألف حال وحال.. ألف لون ونكهة ومذاق.. فمن ينتظر غائبا تشعله الأشواق.. يتوق للحظة اللقاء، لا تنقضي عليه الأيام ولا الساعات، لكن للغائب آمالا يزرع الورود والأشجار، حتى يحين قطع الثمار، فيموت الانتظار.. ومن ينتظر حدثا أو شيئا مفقودا. يبقى يبحث عن المنشود حتى يعود المفقود إنها نبض الوجود، فيموت الانتظار.. ومن ينتظر أوهاما يدري مسبقا أن الوهم سراب وحريق وضياع، حتى يسقط الستار، وأيضا يموت عندها الانتظار. لكل انتظار أجل محتوم.. إلا انتظار المجهول فعمره طويل.. وليله حزين.. دمعه بارد.. وسره عميق.. وكأن الحياة مؤجلة حتى يعلن الإشعار! من ينتظر المجهول يقضي عمره من دون وطن في الدروب.. يحتار بين القطارات.. ولا تروق له كل الاتجاهات.. لا يعرف أين التوجه والمسير؟ فقط هاتف في روحه يناجيه يفرض عليه الانتظار.. وعلى الرغم منه فهو مطيع- فالوجوه التي حوله لا تحتويه.. وضحكات الأطفال مزعجة ما عادت تطرب قلبه ولا تسليه حتى الأحداث التي تمسه صارت وكأنها لا تعنيه.. أصحابه الخوف والقلق والأمان المعدوم.. حيث الوحدة في ليل الشتاء الطويل، حين تسدل كل الجفون ويبقى وحده يراقب الباب، ينتظر القادم المجهول.. فقد يأتي لحظة .. بأي ساعة .. ليهب هو ويستقبله بحنين حجمه سنون.. وربما لن يأتي أبدا.. فيكون عمرا، والمجهول فيه مجهول.. لكن انتظار نهاية وحدود، لحظات مهما تطول لكنها يوما ستموت.. إلا لانتظار المجهول.. فوقه ممدود .. ممدود.. لا شيء فيه معلوم.. لأنه ضمن العالم الآخر حيث المجهول مجهول..