غبار الروح

أتعبني البوح إلى هذا الورق. كل مساء ألم باقات من الموج وأحاول أن أخلق بحرا. وكل مساء أنتظر الأسماك أن تعود ماشية في الشارع إلى بيتنا. ولكن لا تغرب الأشياء الجميلة كلها دفعة واحدة. لا فائدة من الانتظار أصابعي فارغة من ضحكات أبي وشعري فارغ من أصابع أمي.. ورأسي .. هذا المتعب جدا كغصن أثقله المطر.. أين أسنده؟! ????? كثيرون أصدقائي لا أعرف كيف أحصيهم عندما أتجول في شوارع المدينة.. أو عندما أرشف قهوة ساخنة معهم في مقصف جميل. كثيرون أحبتي.. حين أملأ جيوبي بالفرح، وأقضم معهم فستق الحكايات المسلية. كثيرون.. حين أتقن الكذب الجميل. وحين أعرف كيف أجد فيهم المزايا الخالدة ولكن لا أعرف كيف أجد فيهم المزايا الخالدة ولكن لا أعرف أين يختفون حين أكون متعبة وحزينة واحتاج إلى الذي يسمعني. أو إلى الذي يشد معي الحبال لأصعد من الهاوية. ??? أمي قالت: لا تبكي أمام أحد أبدا. أهو الحزن عيب يا أماه؟ هذا الزمن لم يترك لنا الكثير من الفرح ولم يترك لنا الخيارات التي ندافع عنها.. كأننا أحجار شطرنج، يحركوننا.. يرسمون لنا المساء وعلينا أن نظل واقفين باستعداد اللحظة المفاجئة. ????? لا ادري لماذا اشعر بالغربة وأنا في مدينتي الصغيرة مع أني أعرف شوارعها، ومقاصفها، وساحاتها، أعرف أشجارها، ولصوصها ومنافقيها.. وأعرف الأخوين العاقلين جدا حين ينظمان السير في مدخلهما ثم يفترشان الرصيف والعنابر وحسرتي الجارحة حين يرمي أحد العابرين عليهما سيجارة مشتعلة وهي .. أي مدينتي.. تعرفني أيضا منذ كنت طفلة ، أجرجر عمري الصغير في طرقاتها، وأنسى قلم الرصاص على مقاعدها. أجل.. تعرفني. وأعرفها. مع ذلك لم نعد نتبادل الحوار الودي حين نلتقي مصادفة في سهرة أو في نزهة عابرة. ?????? كل مساء أعدد أمنياتي على حبق النافذة. الذابل منها، والأخضر والمزهر قليلة أمنياتي.. لا تزيد على مدينة تنام باكرا، لتنهض باكرا دون صراخ السيارات في آخر الليل، ودون عواء الدرجات أول الفجر، ودون بلدية ترش البرغش كي أظل يقظة أرقب أفواج اللصوص الذين يسرقون الأمنيات الغالية. ??????? أتعرفون؟! لقد جاء الصيف، ستمتلئ الروح بالغباء، والشوارع الضيقة وحدها ستتسع للأطفال.. سيترهل الوقت. والبحر الذي كان وحيدا كامرأة هجرها حبيبها، سيعود إلى غبطته.. ولكن .. ألا ترون بأنه مع كل عودة له.. نهرب نحن- هكذا إذن.. يطل صيف ويرحل آخر.. العمر لقاء ووداع. لماذا تزداد محطات السفر أمام بيوتنا؟ أمي قالت: لا تبكي. سامحيني يا أماه.. دعيني أبكي لأدرك بأني مازلت أعرف الألم .. أي مازلت إنسانة مليئة روحها بالغباء والحبق.