أيام خريفية

هو الخريف وحده يسري في آخر الآمال والأحلام كالنار تسري في الهشيم. أوراقنا صفراء تتلاعب الرياح بها.. تودعها في الأمكنة المهجورة .. عطشت شفاهنا فلا ربيع يهيض بجناحيه نحو ديارنا.. هو ذا صوت الحق يستشهد في الطريق قبل الوصول.. كثيرون هم من لديهم القدرة على خنقه وتدبيجه بالباطل.. الصوت الصارخ في البرية لا تسمعه النوافذ المغلقة .. والمسكين وحده يحترق بنار المتكبر الشرير.. الصديق لا داعي لأن يكون صديقا.. كآبنتنا لا ترحل ولن ترحل.. فها هم كل فاعلي الشر يتكلمون بوقاحة، ويفتخرون بقوتهم بوقاحتهم .. والأيام تضحك لهم.. وانا مازلت حتى اليوم أقف أمامك أيتها الأرض.. حيرى في أمرك.. أنت التي سطرت فيك قصص العشق الأبدي.. والأساطير كلها تعود إليك.. أنت التي تحتضنين كل المتناقضات.. الموت والحياة.. البداية والنهاية.. الحزن والفرح.. على أديمك تسري الحياة بكل أبعادها.. فالربيع يزهر على شفاهك أنفاس الحياة تلتهب في الشوارع مع إشراقة الشمس.. الحركة الدائمة وضجيج البشر.. بينما قلبك مقبرة لكل الأمم والشعوب.. الأتقياء والأشرار.. مقبرة للجسد.. للحلم.. للنشيد.. للون.. للحياة .. الأنهار تجري بين ضفافك.. من عروتنا تورقين.. من ربيع أحلامنا تقتاتين.. كرومك تحيا وتورق.. وكرومنا صفراء .. أنت الجرح الذي يؤلمنا.. فقد ملأتنا احتضارا وفراغا.. سرقت كل جميل من بين أيدينا.. بيننا وبينك قضية.. إما أن نموت نحن وتحيين.. وإما أن نفترق ونحيا.. فحتى متى هذا الخريف يلتهم أورقنا؟!