المطبخ الجاوي: مطبـخ الأرز واللـحوم المجفـفـة

يتكون الأرخبيل الإندونيسي من 17508 جزر منها 6000 جزيرة آهلة بالسكان، ومن بين هذه الجزر تعتبر جزيرة جاوة هي الأصل لمعظم الأطباق التي يتفنن سكان إندونيسيا في إعدادها. ثم إن هناك بعض المشاركات بأطباق خاصة لبعض الجزر مثل جزيرة سومطره التي تشارك بطبق اللحم الجاف راندان وجزيرة مادورا المشهورة بشوائها (ساتي) المميز، أو جزيرة بالي التي تنفرد بسمكها الخاص بها. يسكن الجزر الإندونيسية اليوم 186 مليون إنسان ينحدرون من 300 أصل عرقي أشهرها الصيني والهندي والعربي ثم الأوروبي (بجانب الأعراق المختلفة للسكان الأصليين للجزر)، يجمع هذا العدد من السكان والأعراق طبق الأرز. وكلهم يحبونه أبيض مسلوقا، وربما أحبوه مقليا (ناسي غورينغ). وللأرز مع المائدة الإندونيسية أكثر من قصة ورواية. فتجده معدا بصورة لا تخطر لك على بال، فهم يسلقونه ويجففونه، وهم يأكلونه مطبوخا أو مقليا، بل ويطحنونه، ويعاودون تصنيعه وحفظه بعشرات الطرائق. وكذا فهم يعدون منه أصنافا عديدة من الحلوى على موائدهم ولأطفالهم. وغير اجتماع الإندونيسيين على الأرز فهم محبون لخيرات بلادهم الأخرى، وعلى رأسها الفواكه الاستوائية مثل جوز الهند والموز والأناناس والمانجو وشأنهم مع هذه الفواكه قريب من شأنهم مع الأرز، فهم يأكلونها طازجة وجافة ومطبوخة. كما أن لزيت النخيل وجوز الهند مكانتهما الخاصة عندهم. يتميز المطبخ الجاوي بثلاث صفات بارزة فيه: الأولى تسميته بمطبخ الأكل الجاف، فالإندونيسيون ميالون إلى تجفيف طعامهم قبل إعداده للأكل وبعده. ولعل ذلك عائد إلى طبيعة بيئتهم الاستوائية الحارة والمشبعة بالرطوبة (التي قد تصل إلى 100? في بعض أيامها)، ومن شأن هذا المناخ أن يفسد الطعام، فكأن الحلول التي توارثتها الأجيال هي الحفظ للغذاء بالتجفيف والتمليح، وهكذا كان تمليح اللحوم والأسماك وتجفيفها قبل طبخها وبعد طبخها. أما الصفة الثانية في المطبخ الجاوي فهي القلي السريع للخضار والجائر لما عداها. وفي القلي السريع للخضار ميزة تحفظ لها فيتاميناتها، أما قليهم الجائر للحوم والأسماك فهو إهلاك لفيتاميناتها، بل وبروتيناتها. فهم لن يكتفوا بأن تكون اللحوم مجففة في أصلها، بل ويزيدونها إنهاكا بقليها. وبعيدا عن القيمة الغذائية لمثل هذه الممارسات فإنهم يتلذذون بقرمشتها خصوصا مع إضافة البهارات الخاصة. وبذكر البهارات يتضح المعلم أو الصفة الثالثة للمطبخ الجاوي، وهي صفة كثرة البهارات، فالطبق الجاوي مليء بالبهارات والفلفل بصورة مبالغ فيها أحيانا. إن ما يجمع هذه الصفات أطباق مقلية جافة مبهرة. ولعل الجاويين قد أدركوا بحسهم أن هذه الصفات لأطباقهم تجعلها فاقدة لكثير من عناصرها الغذائية فهم يعدلون ذلك بسلق الأرز والخضراوات ويرفقون أطباقهم بالبيض والبطاطس المسلوقة، وربما حفوه بخضراوات السلطة والفواكه. وكأنهم قد اهتدوا بذلك إلى سر التوازن الغذائي بفطرتهم المتوارثة. هناك أحاديث ذات شجون أخرى عن المائدة الجاوية، ولكن لنختم هذه المساحة المتاحة بتأكيد على أن المائدة الجاوية متأثرة بمن حولها من الموائد الشرق آسيوية. فهي معتمدة على فول الصويا ومنتجاتها من صلصة فول الصويا والتوفو والتمبي وهي مطوقة بأعشاب الصين وأسماك تايوان وجنسنج كوريا.