تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام م

المؤلف: الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الناشر: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المكتب الإقليمي للدول العربية UNDP هذا هو الكتاب الأول للتنمية الإنسانية للمكتب الإقليمي للدول العربية التابع للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، الذي يغطي 22 بلدا عربيا هي: الأردن، الإمارات، البحرين، الجزائر، السعودية، السودان، الصومال، العراق، الكويت، المغرب، اليمن، تونس، جزر القمر، جيبوتي، سورية? عمان، فلسطين، قطر، لبنان، ليبيا، مصر، موريتانيا. يلقي الكتاب الضوء على كيفية بناء التنمية الإنسانية في الوطن العربي، وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسة هي: 1-الاحترام القاطع للحقوق والحريات الإنسانية. 2-تمكين المرأة العربية بإتاحة جميع الفرص لها. 3-اكتساب المعرفة وتوظيفها بفاعلية في بناء القدرات البشرية وبكفاءة في جميع أنشطة المجتمع. خلص التقرير فيما هو بصدده إلى بعض الاستنتاجات المشجعة؛ إذ يلاحظ - بصورة عامة - أن الدول العربية حققت تقدما كبيرا في التنمية البشرية على مدى العقود الثلاثة الماضية، فقد زاد العمر المتوقع عند الميلاد، وانخفضت معدلات وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات بحوالي الثلثين، وتضاعفت نسبة البالغين الملمين بالقراءة والكتابة، كما تضاعفت نسبة النساء الملمات بالقراءة والكتابة ثلاث مرات، وارتفع نصيب الفرد من السعرات الحرارية فيما يتناوله من غذاء، كما ارتفع نصيبه من الماء الصالح للشرب، وأصبحت حالات الفقر المدقع أقل مما هي عليه في أي منطقة نامية أخرى. وأكد التقرير في ثنايا ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي - غير المشروع للأراضي العربية - مهددا ومعرقلا لمسيرة الأمن والتقدم في المنطقة؛ حيث يؤثر على جميع جوانب التنمية الإنسانية، ويفضي إلى إرباك الأولويات الوطنية، وتجميد النمو والحرية في العالم العربي، فقد عانت بعض البلدان العربية من تضخم مفرط وانخفاض حاد في قيمة عملتها الوطنية، وشهدت بلدان أخرى انهيارا في مكانتها في المجتمع الدولي كما فقدت معظم البلدان المتأثرة بالحروب والنزاعات موارد بشرية ورأسمالية هي في أمس الحاجة إليها لإعادة البناء والاستقرار وتجديد القدرة على التنافس. كما يوضح التقرير عناصر التنمية الإنسانية، والذي يعد من أبرزها: (1) حرية الإنسان التي تعد الغاية النهائية والوسيلة الرئيسة للتنمية الإنسانية وتشمل: أ الحريات السياسية لتقدير من ينبغي أن يحكم ومراقبة السلطات ونقدها. ب- الفرص الاجتماعية كالتعليم والرعاية الصحية. ج- الأمن الحمائي كتوفير شبكات الأمن الاجتماعية للمجموعات الضعيفة في المجتمع. د- الشفافية للتعرف على ما يحدث في مجتمعهم بصدق. (2) اكتساب المعرفة؛ فإن قلتها تحكم على البلدان بضعف القدرة الإنتاجية وتضاؤل فرص التنمية (3) الإطار المؤسسي لتحديد طبيعة النشاط في المجتمع وعوائده التي من بينها رفع مستوى معيشة المجتمع. ويبين التقرير أن ضعف المؤسسات في المجتمع، وفجوة المعرفة، وقصور الحريات الإنسانية هي أكثر العوائق خطورة على التنمية الإنسانية في المنطقة العربية. ويستعرض التقرير بعد ذلك الجوانب الرئيسة لبناء القدرات البشرية منها: (1) السكان: يبلغ عدد السكان الذين يغطيهم هذا التقرير حوالي 280 مليون نسمة، ويعادل هذا تقريبا عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية، أو نحو ربع سكان الهند، وعلى الصعيد العالمي يشكل سكان الدول العربية حوالي خمسة في المائة من سكان العالم. ويؤكد التقرير أن زيادة حجم السكان يمكن أن يكون هدية ديمغرافية إذا كان بوسع البلدان العربية توظيف الإمكانيات البشرية على نحو جيد إلى حد كاف لتلبية تطلعات الشعب للتنمية المادية والرفاه البشري، إذا توفرت عوامل تساعد على حدوث نمو اقتصادي مثل مستويات الاستثمار المرتفعة والمزودة بأنواع مناسبة من التقانة. (2) الصحة: تنفق الدول العربية مرتفعة الدخل على الصحة من 3 : 4.5 ?، أما البلدان متوسطة الدخل فتنفق حوالي 5.7 ? وذلك من نتاجهما المحلي الإجمالي، وفي هذا الإطار يبين التقرير أن هناك العديد من السياسات العربية للرعاية الصحية وإدارتها خاصة في مصر والمغرب ولبنان وفلسطين، كما أن هناك سياسات لتغيير السلوك من أجل صحة أفضل، لكنها تصطدم بعوائق، ففي البلدان العربية مزيد من الأنماط السلوكية الثقافية المشتركة كاستخدام التبغ في المنطقة بمعدلات مرتفعة، وتزايد التدخين بين النساء والمجموعات العمرية الأصغر، وتقدر منظمة الصحة العالمية عام 1998 حوالي 182000 شخص متوفى في المنطقة لأسباب تتعلق بالتبغ، كما يعتقد أن استعمال المشروبات الكحولية والمخدرات آخذ في الازدياد لاسيما بين الشباب، وحتى الآن سلمت البلدان العربية إلى حد كبير من آفة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، لكن التجربة في أماكن أخرى توصي بأن التهاون يمكن أن يتيح للفيروس الانتشار إلى أن يصبح وباء، ويتعين على صانعي السياسة في المستقبل معالجة مثل هذه القضايا. (3) البيئة: تضم الدول العربية سلسلة من النظم الإيكولوجية المتنوعة، وبالرغم من هذا التنوع فإن المشاكل البيئية تصنف إلى فئتين: أ- شح الموارد، فهناك شح شديد في المياه ونقص في الأراضي الصالحة للزراعة. ب- تلوث البيئة، فالعيش في المناطق الحضرية بمعدلات سريعة يخلق مشاكل تلوث الهواء، كما أن المدن الكبرى في المناطق الساحلية تؤدي إلى مشاكل التلوث في الشواطئ، وتسهم جميعها في تخفيض جودة الحياة، لاسيما بالنسبة للفقراء، والتسبب في تكاليف اقتصادية سريعة لا تستطيع هذه البلدان تحملها. ويبين التقرير أن مسئولية تنشيط العمل البيئي خاصة في مجال البحوث والتطوير البيئي يقع على عاتق الحكومات العربية، وبوسع رجال الأعمال العرب بقدر معقول من الإنفاق والجهد تطوير التقانة البيئية. (4) التعليم: بتقييم حالة التعليم باستعمال مؤشرات معدلات الإلحاق بالمؤسسات التعليمية والإنفاق لكل فرد تبين لواضعي التقرير أن البلدان ككل حققت إنجازات ملموسة، لكنهم يكشفون أيضا عن وجود مجالات هامة بحاجة لإحراز مزيد من التقدم فيها، فعدم الاتساق بين مخرجات النظام التعليمي من جهة واحتياجات سوق العمل والتنمية من جهة أخرى أدى لانعزال العالم العربي عن المعرفة والمعلومات والتقانة العالية في الوقت الذي أضحى فيه الإسراع باكتساب المعرفة وتكوين المهارات الإنسانية شرطين مسبقين لإحراز التقدم، ويعد إنشاء نسق فعال للعلم والتقانة مسألة جوهرية للأمن والتقنية في العالم العربي، بيد أن النهج الذي تتبناه الدول العربية بشأن محاولة اكتساب التقانة عبر التعاقد مع الهيئات الاستشارية والتعاقدية الأجنبية لإنشاء المشروع بالكامل والاعتماد المستمر عليها قد عمق التبعية التقنية والاقتصادية، ولم يوفر سوى فرص قليلة للعمل بالإضافة إلى اكتساب التقانة بتكلفة مرتفعة. ويستعرض التقرير بعد ذلك أوضاع كل من النمو الاقتصادي و البطالة والفقر والحكم والتعاون العربي كالتالي: (1) النمو الاقتصادي: بلغ الناتج المحلي الإجمالي لكل البلدان العربية في عام 1999 ما مقداره 531.2 بليون دولار أمريكي، أي ما يشكل أقل من دخل دولة أوربية واحدة كأسبانيا المقدر نتاجها الإجمالي 595.5 بليون دولار أميركي، وقد بلغ متوسط معدل النمو السنوي للدول العربية خلال تلك الفترة حوالي 3.3 ? وتبدو هذه النتائج للوهلة الأولى جديرة بالاحترام فهي تتجاوز قليلا المتوسط العالمي الذي يبلغ حوالي 2.9 ? (2) الفقر: تحد قلة البيانات الشاملة والقابلة للمقارنة من إمكانية إجراء تحليل شامل ومعمق لتوزيع الدخل في المنطقة العربية ، ويؤكد تحليل أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بنسبة حصة الأغنياء إلى حصة الفقراء من الدخل في سبع بلدان عربية توفرت عنها بيانات الانخفاض النسبي لدرجة اللامساواة في الدخل، فعلى سبيل المثال تتراوح نسبة الاستهلاك للشريحة الأغنى إلى استهلاك الشريحة الأفقر بين 5.7 ضعفا في مصر و 13.8 في تونس. (3) البطالة: معدلات البطالة في تزايد مستمر في جميع البلدان العربية تقريبا خاصة في الجزائر والعراق وفلسطين، ورغم أن الأرقام الرسمية أقل مما هي عليه في الواقع فليس هناك خلاف على أن البطالة تحد ضخم، فبحلول عام 2010م يتوجب خلق فرص عمل لحوالي خمسين مليون ملتحق جديد بقوة العمل، وإذا استمرت المعدلات الحالية للبطالة فإن حجمها سيتضاعف أكثر من ذلك، ولكن في كل الحالات لابد من وجود عاملي تحفيز رئيسيين: أولهما: حشد جهود القطاع الخاص في نطاق بيئة استثمارية وتنظيمية محفزة ومسئولة اجتماعيا. وثانيهما توظيف كل القدرات الإنتاجية ورأس المال البشري لجميع المواطنين، فهي عناصر أساسية لبناء اقتصاديات منافسة تولد قيمة مضافة محلية عالية (4) الحكم: يوضح التقرير الجوانب الرئيسة للحكم في البلدان العربية من أجل النهوض بالحرية والممارسة الكاملة للقدرات الإنسانية في نطاق ببيئة مسئولة اجتماعيا ومتجاوبة مؤسسيا وقانونيا وسياسيا لاستراتيجية التنمية الإنسانية، ومازال تكوين الروابط المدنية وجمعيات النفع العام مقيدا في عدد من البلدان العربية كما أن تداول السلطة فعليا من خلال الاقتراع لا يزال دون المستوى المطلوب (5) التعاون العربي: يبين التقرير أنه لا تتاح لمجموعة من دول العالم مقومات التعاون والتكامل والتوحد قدر ما يتوفر للبلدان العربية، وعلى حين تسعى بلدان العالم جميعها للانتماء لكيانات كبرى خاصة في عصر العولمة والمنافسة الشرسة فمازالت الدول العربية تواجه العالم الخارجي وتحديات المنطقة فرادى. الأمر الذي يفوت على العرب ثمار التعاون الوثيق في مضماري التنمية الإنسانية والأمن القومي حيث تتسم المؤسسات العربية الإقليمية بالهشاشة وقلة الفاعلية، وتسيطر الاعتبارات القطرية على القومية مما يؤدي في النهاية لقلة صيانة مصالح العرب جميعا. وهذا يعني ثمة حاجة كبيرة سياسية واجتماعية واقتصادية لتحقيق التعاون العربي قي السنوات القادمة مع ضرورة توسيع مجالاته ليشمل إلى جانب تحرير التجارة زيادة التبادل التجاري التي تنص عليها أهداف منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وهناك أمور حيوية أخرى كبناء القدرات الإنسانية والتقنية والإنتاجية في كل الدول العربية وإقامة ما يمكن تسميته بمنطقة مواطنة عربية، تكفل حرية انتقال عناصر الإنتاج بما فيها الأيدي العاملة ورؤوس الأموال والسلع والخدمات، وهذا يستلزم بطبيعة الحال إنشاء بنية مؤسسية كفيلة بتحقيق هذه الأهداف وبما يضمن المشاركة الفعالة في تعظيم عائد التعاون العربي على التنمية الإنسانية في كل الدول العربية. تم إعداد المادة بالتعاون مع موقع ثمرات المطابع: www.thamarat.com