دمعة تكتب المعاناة

هدوء تجلى بسكون ليل هادئ، لآلئ انتثرت بسواد كالح.. شعور غريب وأمل في زمن يكاد يخلو من الأمل.. أجواء من الحزن تعتصر قلب ذلكم المسكين القابع في إحدى زوايا ذلك المكان الذي يستقبل الناس بعد ألا يستطيعوا العيش كالناس... مررت من أمامه وعيناي تراقبه ولم أستطع تجاوزه دون أن أحاول قراءة رسالة لمحت شيئا من حبرها داخل عينيه الغائرتين.. استوقفت نفسي قليلا وأخذت أتساءل: ترى ما سر نظراته التي كستها أمواج من الملح؟! هممت بالرحيل فإذا به يتقدم خطوة وكأنه يريدني.. أعدت النظر إليه من جديد فإذا بي أرى الملح قد رحل من عينيه مصطحبا معه كبرياء ابن آدم... في هذه اللحظات استطعت أن أستشف الرسالة الغامضة التي كانت محتجزة بداخله، وإذا بالرسالة موجهة إلي.. نعم إنها لي، وفيها يقول: قد كنت في يوم من الأيام بقوتك نفسها التي أنت عليها الآن، بل ربما أفضل منك.. كنت أشعر بإحساسك الآن وأنت طليق في هذه الحياة.. كنت أشعر بكل شيء جميل، لم أكن أعرف الحزن إلا قليلا ولكن.. بعد أن شاءت قدرة الله عز وجل وفقدت كل شيء، فقدت القوة، فقدت الهيبة، فقدت ربما الإحساس فاستعضت عن لساني بالدموع الحارقة داخل مقلتي علها تستطيع أن تكتب المعاناة.. ها أنا مقعد على هذا الكرسي أنتظر الأيدي التي جلبتني إلى هنا لتعيدني لغرفة ملتني قبل أن أملها، كل هذا يحدث وليس لي رأي في ذلك، أرأيت كيف أنا الآن... هم يظنون أني أستعيد شيئا من قوتي حين يجلبونني لهذا المكان وأنا أفقد الكثير الكثير في هذا المكان، فمرور الناس من حولي يجعلني أحس بالضعف، ونظرات الناس تقتل لأنها نظرات شفقة وعطف، فهي تقتل أكثر من نظرة الاستصغار.. هم يجلبونني إلى هنا ليشعروني برحابة المكان، ولم يعلموا أن هذا المكان ليس في عيني سوى حجرة صغيرة ما لم يزل هذا الكرسي هو ما استجد في ذكرياتي.. هم وأنت وكل من ينعم بحرية الحياة لا يدرك ما معنى أن تهفو شمس النهار للمغيب، وأن يقبل الليل المفعم بالسواد، أما أنا فأدرك تماما ماذا يعني ذلكم الشيء بالنسبة لكم، وماذا يعني بالنسبة لي، فهو لكم ما هو إلا وقت من العمر انجلى، أما أنا فهو وقت من العمر والأمل انقضيا... نحن هنا نحس بكم.. نشعر بلحظات فرحكم.. منحناكم كل شيء وحرمتمونا من أبسط الأشياء، حرمتمونا الثقة فلم تمنحونا منها ما يعادل احتياجنا... فلماذا؟! ألأننا ضعفاء.. بكل بساطة أنتم من استمددنا منهم الضعف.. ألأننا عاجزون.. فقط أعيرونا قدرا ولو يسيرا من الاهتمام وسترون ما يفعل العاجز حين يدرك حجم المسؤولية.. والآن ارحل من هذا المكان واتركه لنا بكل ما يحمل بداخله من المآسي، فهو ألفنا وإن لم نكن نحن ألفناه.. ارحل ودعني أكمل فصل المأساة لكل ما هو جماد حولي، فلربما ينطق الجماد بكلمة عجز عنها من هو مكرم معزز يحمل اسم ابن آدم في هذه الحياة. وداعا صديقي فللمأساة بقية ولكن ليس الآن... ودعته وكلماته تضرم النار بداخلي وعبراته تنكأ جرحا غائرا بأحشائي.. ودعته ولا تزال صورته المهيبة تلازم مخيلتي، ركبت سيارتي وأنا أحمل الكثير الكثير من الألم، وأحمل سؤالا لم أستطع الإجابة عنه.. دعوني أتركه لكم ربما تجيبون أنتم عليه: متى يحس المجتمع بمعاناة أولئك الناس؟ أمل: إلى كل من يرى الوجه المظلم للحياة بسبب إعاقة حلت به.. فقط امنح نفسك شيئا من الثقة، ولتدرك أن خالقك حين أخذ منك عافيتك قد عوضك خيرا منها.. جرب بالثقة المفرطة، وستكتب أول فصول الإنجاز.. وسنقرأ نحن ذلكم الإنجاز.