المسلمون في أستراليا.. من تشويه صورتهم إلى أحداث نيويورك

أستراليا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتل قارة بأكملها تحمل نفس اسمها عاصمتها كانبيرا وتقع القارة بين المحيط الهندي و الهادئ. وقد ظلت أستراليا مجهولة حتى القرن السابع عشر حيث استطاع مكتشف هولندي الوصول إلى شواطئها الجنوبية. وفي عام &# 1633;&# 1639;&# 1639;&# 1632; م اكتشفها البريطاني كوك فتحولت إلى مستعمرة بريطانية حيث استخدمتها بريطانيا كمنفى للسياسيين والمجرمين وظلت تحت حكم البريطانيين حتى نالت استقلالها بعد ذلك منذ ما يقارب المائة عام. وقد أدى الاستعمار لأستراليا إلى هجرة أعداد كبيرة واستيطانهم بجانب السكان الأصليين، حيث يبلغ مجموع السكان الآن ما يقارب تسعة عشر مليون نسمة يقطنون في مساحة قدرها مساحتها: &# 1639;&# 1644;&# 1638;&# 1636;&# 1634;&# 1644;&# 1635;&# 1632;&# 1632; كلم&# 1634; وتعتبر بذلك سادس أكبر دولة في العالم، ويتكلم السكان حوالي &# 1635;&# 1632;&# 1632; لغة، ويمثل &# 1639;&# 1636;&# 1642; منهم الديانة المسيحية، و&# 1638;&# 1642; مسلمون، و&# 1634;&# 1632;&# 1642; آخرون. واستراليا شاسعة المساحة فكثيرا ما تجد فيها طرقا بلا نهاية تقريبا، وهي خالية باستثناء حيوان الكنغر، وبعض المزارع كبيرة في حجم دولة أوروبية، ومع هذه المساحة الشاسعة فإنها تعاني من قلة السكان، فالإقليم الشمالي على سبيل المثال تزيد مساحته على بريطانيا بخمسة أمثال إلا انه من ناحية السكان يمثل ضاحية لندنية إذ لا يزيد سكانه عن &# 1633;&# 1641;&# 1632; ألف نسمة كما تعاني أستراليا ما تعانيه كثير من الدول المتقدمة الأخرى من ارتفاع في أعمار السكان وانخفاض في عدد المواليد مع أنها تستقبل نحو &# 1633;&# 1632;&# 1632; ألف مهاجر جديد كل عام. ويلاحظ أن الأستراليين يتركزون عند السواحل خاصة في مدينتي ملبورن وسيدني في الجنوب والجنوب الشرقي. وصول الإسلام إلى أستراليا انتقل الإسلام إلى أستراليا عن طريق هجرة المسلمين إليها قبل ما يقارب من خمسين عاما والتي بدأت باستقدام الأفغان لرعاية الجمال والقيام عليها، ثم بعد ذلك تزايد عدد المهاجرين المسلمين إلى استراليا مع مرور السنين، خاصة من المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا وغيرها حتى أصبحوا يشكلون &# 1635;&# 1637; مجموعة عرقية من &# 1640;&# 1637; مجموعة هم سكان أستراليا. ويلاحظ أن كل جنسية اهتمت بالمحافظة على هويتها بعدة طرق مثل إنشاء المدارس والجمعيات الإسلامية، كالجمعية الإسلامية التركية، والمصرية، والهندية وغيرها، ومع تعدد هذه الجمعيات ونهجها طرقا يخالف بعضها بعضا، إلا أنه يمثل هذه الجمعيات على مستوى الولاية مجلس إسلامي يضم مندوبين عن هذه الجمعيات، وعلى مستوى أستراليا كلها يجمع هذه المجالس الولائية مجلس أعلى يدعى الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلامية الذي يعتبر الممثل الرسمي لعموم المجالس الإسلامية لدى الحكومة الأسترالية والذي يحصل على إعانات حكومية لتنمية المجتمع الإسلامي هناك، كتعيين الأئمة وصرف رواتبهم، والمساهمة في بناء المساجد والمدارس، والقيام ببعض الأنشطة الإسلامية للطلاب المسلمين داخل المدارس الأسترالية. وبالإضافة إلى هذه المجالس هناك عدة جماعات إسلامية تحاول المحافظة على الهوية الإسلامية، تأتي جماعة التبليغ والدعوة على رأسها، والتي تتخذ من المساجد مركزا لنشاطاتها، وهناك كذلك اتحاد الجماعة الإسلامية (أستراليا)، وكان يعرف قبل عدة سنوات بالاتحاد الأسترالي لجمعيات الطلاب المسلمين، وهو يتكون في أغلبه من جمعيات الطلبة المسلمين في المدارس والجامعات الأسترالية وبالأخص الطلاب الماليزيين، ولهذه الجماعة أنشطة متعددة خاصة في مجال إحياء المناسبات الدينية داخل المجتمعات الطلابية. ولا يعني محاولة المسلمين المحافظة على هويتهم انعزالهم عن الحياة العامة في أستراليا، فقد التحق عدد من المسلمين بالأحزاب السياسية في البلاد، ومعظمهم يؤيدون حزب العمل الذي يعتبرونه مهتما بمصالحهم الخاصة أكثر من سائر الأحزاب، بالإضافة إلى المشاركة في التجارة والصناعة وغيرها. مشكلات المسلمين في أستراليا هناك مشاكل تواجه المسلمين على مستوى المجالس والجماعات ومشاكل أخرى تواجه عامة المسلمين. فمن المشكلات التي تواجه المجالس والجماعات ضعف التنسيق والتعاون المشترك فيما بينها، وانكفاء كل جنسية على نفسها إلى حد كبير، وإن استطاع المسلمون في بعض الأحيان أن يشكلوا لجنة للاحتفال بالأعياد الإسلامية لجمع المسلمين معا في الاحتفال بالأعياد، وتنظيم برامج ترفيهية لذلك، إلا أن التنسيق بين هذه الجمعيات والمجالس لا يزال محدودا جدا مما يفوت على المسلمين كثيرا من فرص الترقي بأنفسهم وجمع كلمتهم، ولعل ما قاموا به من تشكيل اللجنة السالفة الذكر والخاصة بالاحتفالات بأعياد المسلمين تكون بداية دافعة للتعاون المستمر بين هذه المجالس، خاصة وأن هذه التنسيق قد لقي نجاحا طيبا حيث شارك ما يقرب من &# 1634;&# 1637; ألف مسلم في عيد الفطر الماضي، كما حضره &# 1633;&# 1632;&# 1632; من غير المسلمين من المسئولين في الحكومة وأعضاء البرلمان والذين قامت اللجنة بدعوتهم للمشاركة في هذه الاحتفالات. ومن المشكلات التي تواجه المسلمين هناك عدم توحيد جهودهم في العمل الخيري والدعوي، مما يفقده الكثير من الآثار الإيجابية بالرغم من كثرة الأعمال الخيرية، وإدراكا لعمق هذه المشكلة وأثارها السلبية قرر المهتمون بالأمر عقد لقاء لبحث هذا الموضوع لإيجاد جمعية للعاملين في مجال الدعوة والعمل الخيري، مهمتها العمل على التنسيق والتفاهم لتوحيد الجهود في هذا العمل الخيري وتقريب وجهات النظر بما يعود بالأثر الإيجابي والنفع العام. ومما يتعلق بالمشكلة السابقة مشكلة أخرى، وهي ضعف الكوادر الإسلامية المؤهلة للعمل في المجال الدعوي، خاصة تلك التي تتقن اللغة الإنجليزية، حتى تتمكن من تعليم مبادئ الإسلام واللغة العربية للأجيال المسلمة التي تعاني ضعفا شديدا في ذلك. والمسلمون في استراليا وإن كانوا يتابعون ما يجري في العالم الإسلامي في فلسطين وأفغانستان من مآس ويشاركون المسلمين مشاعر الحزن والأسى لها، ولكن ليس لديهم وسائل إعلامية للتعبير عن مشاعرهم، ما عدا محطة إذاعية صغيرة لا تكاد تفي بحاجاتهم. المسلمون بعد أحداث سبتمبر لا يعني تخصيص أحوال المسلمين وما يتعرضون له بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أنهم كانوا قبل ذلك بعيدين عن كل البعد عن المضايقات، بل على العكس من ذلك، فكثيرا ما تعرض المسلمون هناك لمضايقات عديدة نظرا لما تنشره بعض وسائل إعلام أستراليا من أمور تشوه صورة الإسلام والمسلمين مما يؤدي إلى نفرة كثير من الأستراليين من المسلمين. ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تفاقم الأمر جدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فزادت نسبة العداء للمسلمين والكراهية لهم، حيث سجلت معظم المدن الأسترالية الكبرى حالات اعتداءات على المسلمين&# 1644; وعلى المراكز الإسلامية&# 1644; ووصل الأمر إلى حد حرق أحد المساجد في العاصمة سيدني&# 1644; بل إن المسلمون في أستراليا يتعرضون لمضايقات شديدة حتى في منازلهم&# 1644; بدءا من رمي القمامة أمام منازلهم إلى محاولة إتلاف واجهاتها&# 1644; كما أنهم في أعمالهم لا يسلمون من التهديد بالفصل من الوظائف أو التعرض لألفاظ نابية من زملائهم لأنهم مسلمون. وفي حديث له، أكد رئيس المجلس الإسلامي في كوينزلاند بأستراليا سلطان دين أن حافلة تقل طلابا مسلمين قد تعرضت لرشق بأحجار وزجاجات. وقال سلطان دين في تصريحات خاصة لإسلام أون لاين نت الخميس &# 1633;&# 1635;/&# 1640;/&# 1634;&# 1632;&# 1632;&# 1633;: لقد أصيب الأطفال بالهلع... إنه أمر مقلق جدا.. إننا نسمع تهديدات، كالقول بأنكم تتحملون المسؤولية عما حصل، وإننا سنمسك بكم، مشيرا إلى أنه بعد حادثة الاعتداء على الحافلة قامت دوريات الشرطة بتكثيف حراستها في ضاحية بريزبان بمنطقة كارواثة حيث يدرس &# 1634;&# 1637;&# 1632; طالبا مسلما. وأضاف سلطان بأن تركيز وسائل الإعلام الغربية على أن المدبرين لتفجيرات نيويورك وواشنطن من المسلمين، والعرب منهم على وجه التحديد، أثار غضب الأستراليين البيض المتعاطفين مع الضحايا الأمريكان. هذا وقد تعرض مسجد نور الإسلام الواقع في مدينة بيرث غرب أستراليا لمحاولة اعتداء. ومن ناحية أخرى، ذكر إسماعيل فريدريكتش نائب رئيس المجلس الإسلامي لغرب أستراليا أن امرأتين قامتا بإلقاء فضلات بشرية ألقيت داخل مسجد نور الإسلام الواقع في ضاحية ميرابوكا بمدينة بيرث، وهددتا بحرق المسجد قريبا. كما قام عدد من الأفراد بإحراق مسجد في بريسبن في شمال شرق أستراليا وأوضح متحدث باسم الشرطة أن المسجد الكائن في ضاحية كورابي أضرمت فيه النار، وان شهودا رأوا مجموعة من الشبان يفرون منه. كما ذكر المتحدث باسم المجلس العربي الأسترالي أنه قد تلقى تهديدات بالاعتداء شفهيا وعبر الفاكسات والهواتف والبريد الإلكتروني -على الجالية العربية في ملبورن وسيدني خلال الأربع والعشرين ساعة التي تلت أحداث التفجيرات، مناشدا عموم المواطنين بألا يتجهوا بغضبهم إلى الجالية العربية في أستراليا وألا يجعلوا منها كبش فداء لحنقهم على التفجيرات في أمريكا. وأضاف المتحدث: من خلال تجاربنا عندما تصلنا تهديدات فإنها تحدث بالفعل، فقد حصلت في أيام حرب الخليج وتكررت إثر تفجيرات أوكلاهوما، وقال أمجد محبوب رئيس اتحاد المجالس الإسلامية بأستراليا بأن مجموعة مسلمة في سيدني تسلمت بريديا رسالة تهديدية تقول: أنتم المسلمون كلكم إرهابيون ومجرمون، وقد حكم عليكم جميعا بالموت، فكل المسلمين بجب أن يدفعوا ثمن ما حصل وغيرها من الأعمال الإرهابية..الثأر! ..الثأر!. وأضاف محبوب أن تهديدا بتفجير المعهد الإسلامي في أديلايد بجنوب أستراليا دفع المسئولين إلى إخلائه وإغلاقه مباشرة بصورة مؤقتة، مشيرا إلى أن الناس على ما يبدو فتحوا أدلة الهواتف وبحثوا عن أسماء المسلمين فيها وأرقام هواتفهم حيث تعرض الكثير منهم لاتصالات من قبل أفراد هددوا بالاعتداء عليهم. وكان أشخاص مجهولون قد كتبوا شعارات على أحد الحوائط في حي تجاري بوسط مدينة ملبورن تعلن انتصار الإسلام بتفجيرات نيويورك وواشنطن، مما أثار خوف المسلمين من ردود فعل أخرى على ذلك. وفي ضوء تلك الأحداث المتتالية والاعتداءات المتكررة ناشد زعماء الجاليات الإسلامية في أستراليا حكومة كانبيرا وشرطتها بتوفير الحماية والإجراءات الأمنية الكافية للسكان المسلمين. كما افتتح المجلس العربي الأسترالي خطا ساخنا الخميس &# 1633;&# 1635;/&# 1641;/&# 1634;&# 1632;&# 1632;&# 1633; لتسهيل الإخبار عن أية أحداث اعتداء عرقية ضد الجالية العربية في أستراليا. وقد علل مسؤول المجلس العربي تخصيص خط ساخن للجالية العربية بقوله إن هذا سلوك طبيعي لأقلية هامشية في المجتمع يشعر أفرادها بالتوتر، ولا يتشجعون على الذهاب إلى مراكز الشرطة؛ ولأنهم لا يريدون جذب المزيد من الانتباه إليهم. وقال قيصر تراد نائب رئيس رابطة اللبنانيين المسلمين بأن من الضروري الآن توفير حماية كافية للمسلمين قائلا: إننا قلقون جدا من أننا سنكون الضحية والهدف القادم . هذا وقد أبدت الحكومة بعض التعاطف مع المسلمين هناك حيث قال وزير الهجرة الأسترالي فيليب رودوك في تصريح له: إن من أهم خصائص وقيم مجتمع متعدد الثقافات كمجتمعنا هو التسامح واحترام وجهات نظر الآخرين كما استنكر عدد آخر من المسؤولين الأستراليين التهديد بالاعتداء على الجاليات المسلمة والعربية واعتبار أفرادها جميعا من الإرهابيين، وتوعدوا بعدم التهاون في منع حدوث ذلك. ومن جانبه، قال كبير الأساقفة الإنجليكانيين في أستراليا بيتر كارنلي بأن التحقيقات حول المتهمين بالتفجيرات لم تنته ومن الخطأ وصف جميع العرب والمسلمين بالإرهابيين، مؤكدا أنه اتصل بقادة الجاليات المسلمة بأستراليا لمناقشة الأمر وترتيب دعوات مشتركة لضحايا التفجيرات. ويبقى السؤال الآن هل يستطيع المسلمون تقديم أنفسهم في صورة أفضل يستطيعون من خلالها مواجهة الحملات الشرسة عليهم، أم أنهم يبقون على ما هم عليه ويتحملون الآثار الناتجة عن تشويه الإعلام لصورتهم الحقيقة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر .