الدعاة الجدد والحبيب الجفري!!

جاءني أحد طلابي بالكلية وهو يبدي أن لديه أمرا لكنه متردد في ذكره... باسطته العبارة وآنسته الحديث، فاندفع ليطرح هذا التساؤل الصريح: قال: سمعت ورأيت لقاء مع الحبيب علي الجفري في إحدى القنوات. شدني أسلوبه وشياكته وبهرني حديثه وابتسامته.. وأسرتني عباراته ثم لما أفقت قلت لنفسي: ما أجمل حديثه.. لكنه غير صحيح. ثم رجعت لنفسي: كيف سحرني بيانه ولم أتدبر معاني مقاله.. كان يتحدث عن مسألة عقدية: هي التوسل. ابتسمت في وجه أخي الطالب وقلت له: كم أنت نبه وحاذق فليس عيبا أن تسمع.. ولكن الخطأ أن يغفل المرء منا السؤال عما يشكل عليه.. وطلبت منه أن يوافيني بتسجيل لما ذكره، فجاءني به في لقاء آخر. وانتهى موقفي وإياه على صفاء ووضوح.. وعلى تجلية الأمر وإزالة الشبهة- ولله الحمد من قبل ومن بعد-. من مثل هذا الموقف كانت مؤثرات كثيرة تتتابع على عقول وأفهام كثير من أسرنا، من شبابنا وفتياتنا أفكار وطروحات مبهرة ولكنها في كثير من الأحيان جوفاء، خالية من التأصيل الشرعي والصفاء الروحي.. تلكم ضريبة التقنية، وذلك ثمرة الخواء الفكري لدى أبناء الأمة.. وهو أيضا من إفرازات التربية الهزيلة في النفوس. نظرت فإذا الموضوع واسع، ما بين طروحات فكرية صبغت بالصبغة الإسلامية والإسلام منها براء، وما بين جرأة على الإفتاء والقول في دين الله تعالى بلا علم، وما بين تعد على الأصول والمسلمات باسم الدين والسماحة والتيسير، وما بين تمييع لقضايا الإسلام لتتواءم مع ما يريده الغرب الكافر والشرق المنحل. صاحب الوسامة والطرح المبهر- كما وصف طالبي علي الجفري- شاب في مقتبل العمر، ما كان لي أن أعرض لتقييمه، ولكن أردت التنبيه على نماذج من هناته ينبغي أن تحذر وأن ينتبه لها: على الشبكة العنكبوتية موقع خاص به.. وسم ناقع في عسل حديثه وعذوبة عبارته.. ليس الخطأ في أن يتقن الحديث ويجيد إيصال المعرفة للمتلقي، ولكن الأسى من أن هذا الطرح السلس يخالف نصوصا صريحة في ديننا، ويناقض أسسا متينة في معتقدنا. إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، أولئك هم أولياء الله. ما نرفعهم فوق رتبة النبوة بل ولا ما يوازيها، ولا نصفهم بما يخالف بشريتهم، ولكن حين تنمق العبارة، ويصاغ الحديث ليقال بأن الولي قد أذن الله له وفوضه في إدارة أمور الكون وأن بإمكانه الرزق والإحياء والإماتة، وأن خلق طفل من غير أب أمر ممكن على تحرز في القول به، مع الاتفاق على إمكانيته. حين يقال بأن الأولياء منهم من يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة، حين يقال مثل ذلك، يقف المرء فلا ينبهر بحسن العبارة، ولكنه ينتصر لدين الله عز وجل، فيقول: وأنى لك يا علي أن تقول ذلك، وقد رفعت رتبة الولي إلى ما يختص به الخالق جل جلاله. ليس المقام للمناقشة والتفصيل في ذلك، ولكن المقام هو: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.. إن أفضل الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يقف موقف الضراعة في مكة حين آذته قريش، وفي بدر حين رأى تكالب المشركين لحربه، وفي الأحزاب يسأل الله جل وعلا أن ينصر دينه، وأن يدفع هذه الفتنة عن أتباعه، ويناجي خالقه القادر سبحانه فيقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض. أليس صلى الله عليه وسلم أعلى من الأولياء؟ فلماذا لم يكن له التصرف في أمور الكون؟ ولماذا لم يقل لأعدائه: موتوا.. ارجعوا؟ لم ضحى بأصحابه في معارك وقتال، وحروب وغزوات؟ إن كان له ما لهؤلاء الأولياء؟ ولن يكون الأولياء أفضل عند الله من أنبيائه ورسله. أيضا قوله: الولي يمكنه أن يخلق طفلا؟!! هذا من صفات الله جل وعلا، فالله هو الخالق وحده لا شريك له. والله هو الذي يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما. حقيقة.. ما أردت التفصيل في الرد، ولكني أقول إن الإسلام دين له أصوله وقواعده، دين له أسس واضحة وصريحة، لا تقبل التنازل لأهواء، ولا المسايرة لقوة، ولا الاستسلام لوسامة أو جمال حديث. ولهذا فإن أهم ما ينبغي أن يؤكد عليه في مثل هذه المسألة، أن يدرك المسلم أنه يقصد من وراء السماع والتلقي لأمور دينه عن الناس، أن يقصد الحق ومرضاة الله تعالى، ولا يكون القصد هو البحث عن الرخصة والتنازل عن مسلمات من أمر دينه لأنه سمع من فلان من الناس القول بذلك، بل مطلب المسلم الحق حيث كان، حتى يتعبد لله تعالى على صواب، وحتى لا يكون حاله كحال من ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. المسلم يعبد الله تعالى من واقع أصول الإسلام، لا من واقع من يدعي الحديث باسم الإسلام. إن هنالك وقفات مهمة ينبغي النظر فيها والتنبيه عليها، وقفات نعرف من خلالها دورنا، والمهام المناطة بنا: - دور الإنسان في هذه الحياة عبادة الله تعالى والمسلم يحرص على تحقيق ذلك وفق شرع الله، ومن أعظم الأسس التي يقوم عليها بناء هذا الدور النصيحة فالدين النصيحة، كذا أجمله النبي صلى الله عليه وسلم، النصيحة ببيان الحق للناس، وتحذيرهم من طرق الضلال والغواية. - دور الأمة ممثلة في هيئاتها العلمية الشرعية أن تضع ضوابط وقيود، تحمي بها حوزة الدين ولا تكون مستباحة لكل أحد. - على الجهات الحكومية أن تتبنى مثل ذلك لتوحيد صف الأمة، ولتحقيق العبودية الحقة للناس، فيتحقق من خلال ذلك أن ينصر الله الأمة ويمكن لها. - على وسائل الإعلام- بفئاتها المختلفة- أن تتقي الله فيما تعرض، وأن تحذر من أن تسعى لاجتذاب المشاهدين والمتابعين من خلال من يدعون العلم الشرعي، فيفتون للناس بلا علم، ويزينون للناس أعمالهم وتقصيرهم، ويجعلون الدين مطية للمكاسب المادية والمغانم الدنيوية. أخص وسائل الإعلام؛ لأنها منبع تلك الأصوات، ومورد تلك الانحرافات، ومع الأسف فإنها تبحث عمن يلبي احتياجات الناس من التيسير، دون أن يلبي نداء الخالق العظيم في لزوم عبادة الله تعالى على هدى وعلى صراط مستقيم، دون اتباع لهوى ولا استجابة لشهوة، ولا مسايرة لواقع ولا انهزامية أمام قوة ضالة، لا استحياء من بيان وجه الحق والصواب. - ثم علينا جميعا أن نسعى لإصلاح الأمر، وإبلاغ النصيحة، وإيضاح الحق للناس.