الأيك في المباهج والأحزان.. نص مفتوح غير مسبوق في اللغة العربية

تحتل الأصابع قيمة بالغة الأهمية في حياة الإنسان كونها من أهم الأعضاء الفاعلة في شتى مناحي النشاط الإنساني، ولأجل ذلك جعلها الكاتب المصري عزت القمحاوي فصلا أول في كتابه الأيك في المباهج والأحزان كنص مفتوح على حواس الإنسان في بهجتها وأحزانها. يعتمد المؤلف في كتابه على غابة المعارف الإنسانية من أدب وسياسة وعلم انطلاقا من علاقة الحواس بهذه النشاطات المختلفة للفعل الإنساني خلال حياته في صياغة أدبية تصل حد السخرية في جديتها، وتصل إلى الجدية المؤلمة بفكاهة سخريتها الباكية الضاحكة. ويعيد القمحاوي في كتابه للحواس قيمتها من خلال 15 فصلا تتداخل المعرفة في كل منها. فالأصابع آخر ما يمتلك العاشق الولهان للتواصل مع عشقه، وهي أيضا الأصابع التي كلفت، بحسب الكاتب، المنطقة مليارات الدولارات بسبب تقليد رؤساء وملوك المنطقة لحركة إصبع جمال عبد الناصر في التفجير الكبير الذي حول مجرى النيل أملا في الحصول على جزء من شعبيته. والأصابع التي تعزف أجمل الألحان هي نفسها الأصابع القاتلة بطريقة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون والرؤساء الأميركيين جورج بوش الأب وجورج بوش الابن وبينهما كلينتون الذي استعاض عن أصابعه بالسيجار، في إشارة إلى فضيحة مونيكا لوينسكي. وفي فصل آخر يربط الكاتب بين المعرفة والرائحة، بين رائحة العذرية المغايرة لما هو قائم، وبين رائحة الافتعال القائمة في الحياة الاجتماعية في بلادنا، بين رائحة الموت ورائحة الحياة، وكيف عملت الأديان على الاستفادة من الرائحة لاجتذاب الاتباع، كذلك نسبية العلاقة بين الإنسان والرائحة ما بين الشعور بالورع أو الإثارة وتأثير ذلك في السياسة. ويستشهد الكاتب بأحداث تاريخية ليدلل على أهمية الرائحة كسلاح في التأثير على مجريات الأحداث، خصوصا حادثة مسيلمة الكذاب مع سجاح عندما جاءته محاربة وكانت قادرة على سحقه فطلب منها اللقاء بعد أن جعل من خيمته حديقة من الروائح العطرية، فانضمت إليه لمواجهة جيوش أبي بكر الصديق في حروب الردة بعد وفاة الرسول. ويقدم المؤلف خلال ذلك عشرات النماذج من الماضي من التوراة والإنجيل و القرآن والمعارف الشتى بما فيها الكتابات الايروتيكية القديمة ومن الشرق والغرب، ويربطها بتطور المعرفة الحسية والعقلية في ما هو حديث لم يمض على ظهوره بضعة شهور. ويحاول الكاتب في نصه الأدبي السياسي المفتوح أن يعيد الاعتبار للمعرفة البشرية بعد أن اجتاحتها هلامية الاستهلاك الإعلامي وحولت الكثير من البشر إلى صور ممسوخة تتبع الصورة المرئية دون أن ترى ما تخفي هذه الصورة من مشاعر و أحاسيس. ويقوم خلال ذلك بفضح ثقافة الاستهلاك والنموذج الأميركي من خلال فضح وسائل الإعلام التي تجعل من الوجبات الأميركية السريعة واعتمادهم في التفكير على ما بثه التلفزيون دون أن يكون لهم حول، فيتهمهم، ومن خلال ذلك يقوم بمحاكمة حضارة بمقارنتها مع وجبات الشعوب الأخرى وطريقة حياتها. والى جانب ذلك يفرد الكتاب فصل صوت الرغبة للتعبير عن حاسة السمع وجمالية الصوت ودور هذه الحاسة في البناء الحضاري للأمم، فيستشهد بعشرات الأمثلة من الروايات العالمية و المحلية ليثبت قيمة الصوت وأهميته في الحياة الحسية للفرد، واعتبارها فضيلة للأمم الشرقية لم تحظ بها الحضارة الغربية إلا بالقليل. وخلال ذلك يجمع الحواس في علاقة الرجل والمرأة وعلاقتها في الذاكرة والمكان والزمان لتختلط التجربة الخاصة بالعامة وتكون عالما شديد الخصوصية لهذا النص الذي لا يمكن الكتابة عن كامل تفاصيله لتنوعها و كثرتها وبساطة تكوينها حتى يكاد يكون مستحيلا تفكيكها، ولا يمكن ذلك إلا للقارئ نفسه أن يقدم حكمه عليه لخصوصيته.