اليابانيان الحائزان على جائزة نوبل للآداب

تمثل أعمال الروائي الأديب كاواباتا ياسوناري(Kawabata Yasunari 1899 - 1972م ) الأدبية قمة الإبداع الأدبي الياباني. ففي أدبه نجد قدرة الأديب على الاحتفاظ بالروح التقليدية اليابانية، رغم تسرب الفكر الغربي الحديث لليابان. واستطاع الأديب بفوزه بهذه الجائزة تصدير خصائص الأدب الياباني وجمالياته من أفكار وأحاسيس تقليدية إلى الساحة العالمية. ولد كاواباتا ياسوناري في عام 32 من عصر ميجي الياباني 1868 - 1912م، الموافق الحادي عشر من شهر يونيو عام 1899م في محافظة أوساكا saka بإحدى أهم مدن اليابان الحديثة جنوبي طوكيو. كان أبوه طبيبا لديه تذوق أدبي خاص، وفقد الأديب والديه وهو في سن الثانية، وقد عاش مع عائلة والدته الموجودة في أوساكا، وبعد فترة توفيت جدته، فتبناه جده الذي كان لديه خبرة واهتمام بالطب الصيني، ومات جده وهو في الرابعة عشرة. وكان كاواباتا يجلس بجانب سرير الجد ويقرأ في قصص عصر هيبآن الياباني (794 - 1192م) مثل رواية (حكايات جنجي Genji Monogatari) ورواية (ماكورا نوسوشي Makura Nososhi)، ولهذا يمكن القول بأن أعمال كاواباتا ياسوناري الأدبية كانت نتاجا لتأثره بالأعمال اليابانية الكلاسيكية القديمة. كتب الأديب مذكراته أثناء رعايته لجده ونشرت تحت عنوان (مذكرات شاب فى السادسة عـشرة Jrokusai no nikki) فى عام 1914م. وعندما قام بكتابتها لم يكن يعتقد أنه سيصبح كاتبا فى المستقبل فكانت تأخذ الطابع الواقعى، لهذا بدأ أدبه يتجه إلى الأسلوب الواقعي، وبعد انتهاء المرحلة الثانوية، التحق بالقسم الأدبي بجامعة طوكيو الإمبراطورية. وتعرف على الأديب الروائي (يوكو ميتسو ري إيتشي Yokomitsu Riichi 1898 - 1947م) مؤسس حركة الإدراك الحسي الأدبية الجديدة، واشترك معه الأديب كاواباتا ياسوناري فى تأسيس المجلة الأدبية (بونجي جيداي Bungei Jidai) التى أصبحت صوتا للنزعة الحسية الأدبية الجديدة، ويطلق عليها في المصطلح الأدبي الياباني (جماعة الإدراك الحسي الجديدة Shinkankakuha).وفى عددي شهري فبراير وإبريل عام 1926م لهذه المجلة نشر الأديب كاواباتا ياسوناري سيرته الذاتية (راقصة إيذو Izu no odoriko) التي تعد نموذجا لبواكير أدبه، كتب قصته هذه بأسلوب حسي تأملي، فكان أسلوبه يتميز بالرصانة والاعتماد على الإيجاز وعدم الإغراق فى وصف الأشياء، وكان أسلوبه يخلو من الجمل الطويلة المركبة أي أنه يبتعد عن السرد، وكان يستخدم الأسلوب الأدبي الذي يربط بين العلاقات الإنسانية وجماليات الطبيعة. واستطاع أن ينهل الأساليب الجمالية اليابانية الكلاسيكية مثل الأسلوب الجمالي (مونو نو أوريه Mono no aware) أي الأحاسيس العميقة للعاطفة والحزن فى التعبير، وأيضا الإحساس الجمالي للأسلوب (وابي Wabi) أي التذوق الجمالي الهادئ للأسلوب، وأيضا الأسلوب الجمالي (سابي Sabi) أي البساطة الجمالية للأسلوب، كل هذه الأحاسيس الجمالية نجدها فى الأدب الياباني الكلاسيكي، وخصوصا فى أشعار الواكا Waka، وأشعار الهايكو Haiku التقليدية. وفي نفس الوقت تأثر الأديب كاواباتا ياسوناري كثيرا بالحركة الرمزية الفرنسية المعاصرة التى أصبحت مدرسة أدبية عالمية بلغت أوجها فى القرن التاسع عشر على يد مجموعة من الشعراء الفرنسيين مثل: ملارميه ستيفن 1842 - 1898م، فيرلين بول 1844 - 1896م، ورامبو جان آرثر 1854 - 1891م. لذلك حاول الأديبان كاواباتا ياسوناري وصديقه (يوكوميتسو ري إيتشي Yokomitsu Riichi 1898 - 1947م) أن يضيفا إضافات جديدة على الرواية اليابانية لمواكبة العصر الجديد، إلا أن كاواباتا ياسوناري الوحيد الذي حاول بجانب ذلك العودة إلى جوهر الروح اليابانية وأيضا إلى المفاهيم التقليدية اليابانية الأدبية بعاطفة فياضة، فقد أدى ذلك إلى نمو عبقريته الأدبية، واستطاع أن يصنع لنفسه عالمه المتميز. - كاواباتا ياسوناري وجائزة نوبل للآداب حصل الأديب الروائي الكاتب كاواباتا يا سوناري على جائزة نوبل في الأدب عام 1968م، ويعد الأديب أول ياباني ينال جائزة نوبل للآداب، ويعتبر من أكثر الروائيين المحدثين الذين نالوا الاحترام بما أبدوه في كتاباتهم النقدية من ولاء وحماس للماضي. وفوز الأديب كاوا باتا بالجائزة له معان كثيرة أهمها: أن الأدب الياباني بدأ يأخذ طريقه إلى العالمية، فترجمت أعماله إلى لغات العالم الغربي والأمريكي، وقدمت أعماله أيضا للسينما، واختياره لجائزة نوبل للآداب نتيجة تجاوب القراء الأجانب مع أعماله الأدبية، فقد ترجمت رواياته من اليابانية إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، إضافة إلى ذلك التجاوب الحسي المباشر بين الجمهور الياباني والأديب. وقد قالت الأكاديمية السويدية باستوكهولم عند منحه الجائزة: ..... منح الجائزة لأسلوبه القصصي البارع الذي يعبر بحساسية عظيمة عن جوهر الفكر الياباني، وأيضا نالها لقدرته الأدبية الفائقة للتعبير عن العقلية اليابانية.... . وأيضا فقد كان أسلوب الأديب مثيرا للعواطف والذكريات، وأيضا ولاء الأديب الشديد للمبادئ والمفاهيم الجمالية التقليدية، فكان يؤمن بالمبدأ الجمالي التقليدي الياباني المعروف باسم (اليوجن Yugen) أي الإحساس الجمالي العميق، وأيضا الأفكار الجمالية التقليدية الأخرى مثــل (مونو نو أواريه Mono no aware) أي الأحاسيس العميقة للحب والحزن، وأيضا المصطلح الجمالي مثل (وابي Wabi) أي الذوق الجمالي الهادئ، والمصطلح الجمالي الآخر (سابي Sabi) الإحساس بالسكينة فى جو من الوحدة والانعزال، وقد كان الأديب كاواباتا يفضل العزلة والوحدة فيشعر بالطمأنينة وراحة البال فى عزلته. وعندما سمع الأديب كاواباتا نبأ فوزه بجائزة نوبل للأدب قال في تواضع ذوي النفوس الكبيرة: إنني محظوظ....، إن أعمالي الأدبية أقل قيمة من إنتاج الأدباء اليابانيين المعاصرين.... ولابد أن الفضل راجع للمترجم الذي نقل بعض قصصي إلى اللغة الإنجليزية.... إن أعمالي ينقصها كبر الحجم والشعور بالقوة..... . ومن أهم أسباب اختيار كاواباتا لنيل الجائزة هو أنه مكن العالم من التعرف على جوهر الفكر الياباني والثقافة والحياة اليابانية. وقد حضر الأديب كاواباتا ياسوناري حفل تسليم الجائزة بالزي الرسمي الياباني، وألقى محاضرة عنوانها أنا واليابان الجميلة، واستطاع من خلال المحاضرة إظهار جوهر الروح اليابانية، والأحاسيس اليابانية تجاه الطبيعة، وقد بدأ المحاضرة بإلقاء قصيدة قديمة تقول: في الربــيــــــــــــع زهــــــــــــر الكرز في الصـيــــــــف طائر الوقواق في الخــــــريـــف الـقــمـــــر وفي الشـــــــــتـاء الثلج صاف بارد وقال: إن مثل هذه العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة هي من أبرز سمات الأدب الياباني، فالطبيعة أيضا من الدوافع الإيحائية للأدب، وأضاف الأديب قائلا: عندما نرى جمال الثلج وجمال القمر، وعندما نرى جمال الزهر المتفتح، وعندما نحس بجمال الفصول الأربعة حينئذ نفكر فى أقرب الناس إلينا، ونتمنى لو شاركونا متعتنا. فالعلاقة التي تحدث عنها الأديب كاواباتا ياسوناري بين الإنسان والطبيعة، تجعلني أتحدث عنها بفيض من التفصيل، فمظاهر الطبيعة عند اليابانيين بمثابة الدين، فالشعب الياباني مرتبط ارتباطا روحيا بالطبيعة، ويترقب فصول السنة بشغف، فمثلا شجرة الكرز التي تزدهر على أسبوعين في فصل الربيع ينتظرها اليابانيون بفارغ الصبر، وزهرة الكرز ترمز للمحارب المخلص الذي يستعد للموت في سبيل وطنه. فاليابانيون أحب الشعوب للطبيعة فهم يتقبلون راضين تقلبات الطبيعة كما تتغير فى الأرض والسماء والبحر من أعاصير وبراكين وزلازل، كما يوشك أن لا نجد قصيدة شعر واحدة من الأدب الياباني تخلو من وصف مشاهد الطبيعة فى ثنايا سطورها. فالشعراء فى اليابان منذ القدم وفى الوقت الحاضر ينظرون إلى الزهور المنتشرة فى الربيع، ويصغون إلى تساقط أوراق الشجر فى الخريف، فتلك هي التى ألهمتهم شعرا ممزوجا بمسحة حزن رقيقة، وهذا ما تحدثنا عنه فى المبادئ الجمالية التقليدية اليابانية مثل (مونو نو أواريه Mono no aware) أي الإحساس بالحزن الرقيق. والشعب الياباني شعر بسعادة كبيرة حين نال الأديب جائزة نوبل لأنهم يعتقدون أن فى ذلك دليلا على تقدير العالم للأدب الياباني الذي خرج للعالمية بفضل هذا الأديب الكبير الذي يعتبر الجسر الأدبي والفكري الذي يربط اليابان بالغرب. وبعد أربعة أعوام من الشهرة العالمية، يهرب الأديب كاواباتا إلى منتجعه الخاص قرب مدينة كاما كورا Kamakura، وهناك ينتحر الأديب فى ربيع 1972م، بالطريقة اليابانية التى تعرف باسم (هارا كيري Hara Kiri) أي شق البطن، وهذه الطريقة قد شاعت فى مجتمع الساموراي (أي مجتمع المحاربين) فى عصر إيدو Edo (1603 - 1867)، وتكون بمنزلة عقيدة، اشتهر بها اليابانيون تكفيرا عن خطأ يمس الشرف، وتضحية فى سبيل شيء ما، وهذا يقودنا إلى التعرف على فلسفة الشخصية اليابانية. وحول انتحار كاواباتا أعتقد أنه ربما انتحر حزنا على تلوث جـوهــر الروح اليابانيــــة بالثقـافة الغربية والاحتلال الأمريكي لليابان، أو ربما حزنا على الصراع بين الروح اليابانيــة والــروح الغربيــة. - الجسر الثاني الذي أوصل الرواية اليابانية للعالمية الروائي الياباني أويه كنزابورو Ooe Kenzabur (1935- م) رائد رواية ما بعد الحرب والحائز جائزة نوبل للآداب عام 1994م الذي أخرج رواية ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى العالمية بفوزه بأكبر جائزة أدبية في العالم فأعماله الأدبية تمثل قمة الإبداع الأدبي الياباني ما بعد الحرب. يمثل الكاتب جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي عبر عن الهزيمة المريرة لليابان والرعب النووي الذي صاحب إسقاط القنبلة النووية على هيروشيما. وبعبارة أخرى يمكن أن نقول إن شخصيته الأدبية قد تشكلت عن طريق فترتين مختلفتين هما: اليابان قبل هيروشيما، ثم اليابان بعد هيروشيما. وأعماله الأدبية تمثل قمة الإبداع الأدبي الياباني ما بعد الحرب، فهي مرآة حقيقية عاكسة لمجتمع اليابان قبل إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما ومجتمع اليابان ما بعد إسقاط القنبلة على هيروشيما. ولد الأديب أويه كنزابورو Ooe Kenzabur في الحادي والثلاثين من شهر يناير عام 1935م في قرية أوسه Ose الجبلية بمحافظة إهيميهEhimeken بجزيرة شيقوقو Shikoku . وخلال دراسته في المرحلة الثانوية قرأ لكثير من المفكرين اليابانيين، وكان مفتونا بأعمال الأديب الناقد إيشيكاوا جون Ishikawa Jun (1899- 1987م). وفي عام 1953م تخرج في المرحلة الثانوية ثم انتقل إلى طوكيو للدراسة الجامعية، والتحق بقسم الأدب الفرنسي بجامعة طوكيو.وبدأ أويه حياته الأدبية في الثالثة والعشرين.وأخذ يكتب لجيل من اليابانيين تربى على أن الإمبراطور Tenno له منزلة رفيعة مبجلة. وفي اليوم الذي أعلن فيه الإمبراطور الياباني الاستسلام للحلفاء في أغسطس عام 1945م بعد إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي كان الأديب أويه كنزابورو في العاشرة من عمره ويتذكر حدث الاستسلام على النحو التالي: جلس الكبار حول أجهزة الراديو وأخذوا يبكون، أما الأطفال فقد تجمعوا في الخارج على الطريق المترب وتهامسوا بحيرتهم، لقد كنا مضطربين ومحبطين لأن الإمبراطور قد تكلم بصوت إنسان، صوت لا يختلف عن صوت أي واحد من البشر.وبعد لحظة شعرنا بخوف ونظر بعضنا إلى بعض ولم يتكلم أحد منا. كيف يمكن أن نصدق أن حضورا مهيبا له تلك السلطة المهولة قد أصبح إنسانا عاديا.فعندما أعلن الإمبراطور استسلام اليابان شعر الجميع بأنهم وحدهم دون أمل. وليس ثمة غرابة في أن الكاتب أويه وجيله كانوا يستشعرون حيرة كبيرة طوال سنوات الحرب فقد كان مدرس مبادئ الأخلاق يسألهم ماذا يفعلون إذا أمرهم الإمبراطور أن يموتوا ؟ فكانوا يجيبون في حال من الفزع سوف نلبي النداء ولو بشق البطن. ويقال أن الأطفال في الفصل الدراسي كانوا يمرون أمام صورة الإمبراطور ورؤوسهم منكسة هيبة وتبجيلا لجلالة الإمبراطور. ويقول الكاتب أويه إن صورة الإمبراطور تظهر له في أحلامه وهو ينطلق في السماء كطائر وجسده مغطى بالريش الأبيض. هكذا تربى ونشأ الأديب أويه كنزابورو على قيم أخلاقية تختلف عن القيم المستوردة من الغرب وهي الديمقراطية. أي فجوة كبيرة بين اليابان قبل هيروشيما، ثم اليابان ما بعد هيروشيما. فعلى الرغم من تأثره بفلاسفة الغرب وأدبائه فإنه لديه اهتماما كبيرا بالهوية الجماعية للثقافة المحلية ولما يتعرض له المجتمع الياباني المعاصر وتتعرض له التقاليد المحلية من أخطار بفعل التحديث السريع الذي بدأ تحت تأثير الغرب في عصر ميجي Meiji عام 1868م وبالأخص بعد الحرب العالمية الثانية. الكاتب من كتاب ما بعد الحرب الذين يعانون الاغتراب عن المجتمع المعاصر وفقدان الهوية اليابانية التي شغلت الكثير من الكتاب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعلاوة على ذلك التجربة المأساوية الشخصية وهي ولادة طفل معوق في مخه، وانعكاس هذا الحدث المأساوي على نتاجه الأدبي وظهوره في العديد من قصصه ورواياته الأدبية.فيقول الأديب: إن رواياتي الأدبية تناولت موضوعين أساسيين هما: التهديد النووي الدائم، والحياة مع طفل معوق.فهو واحد من أكثر كتاب ما بعد الحرب في اليابان أصالة وإثارة. ويمكن أن نقسم حياته الأدبية إلى عدة مراحل، ونستكشف إلى أي مدى أثرت حياته الشخصية على أعماله الروائية الصادقة المعبرة عن تجربته الذاتية: المرحلة الأولى من حياة الأديب: وهى مرحلة التأثر بالغرب والأدباء والفلاسفة الغربيين أمثال الروائي الروسي دستويفسكي ثيودور (1821-1881م) وهيجل ودانتي والكاتب الفرنسي رابليه فرانسوا (1495-1553م) والروائي الفرنسي بلزاك أورنودو (1799-1850م) والروائي الفرنسي كامو ألبيرت (1913-1960م) والأديب ييتس (1865-1939م) وبخاصة الفيلسوف الروائي الفرنسي جان بول سارتر الذي أدت أفكاره الوجودية دورا حاسما بالنسبة إليه. وتعلم الكثير من هنري ميلر ونورمان مايلر. وهى مرحلة ما بعد الحرب. يقول الأديب أويه كنزابورو في هذا الشأن: وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في عام 1945م وعلى امتداد عشر سنوات، قام كتاب ما بعد الحرب تحت تأثير ديستويفسكي، أو هيجل أو سارتر، بالكتابة على نحو ما يكتب المؤرخ أو يفكر الفيلسوف، أو يحلل عالم الاجتماع. وقد كان هذا اتجاها جديدا، وقد تأثرت بهؤلاء الكتاب. وقد احتجت إلى التفكير في المجتمع الياباني أو العالم أو الإنسان، وعندما شرعت في الكتابة، كتبت لأقدم التعبير الروائي عن أفكاري. وكنت أقرأ كذلك للفلاسفة الفرنسيين، مثل سارتر وكامو، بحيث إن كتاباتي قد تأثرت بهم كذلك. و أثناء دراسته الجامعية في قسم الأدب الفرنسي بجامعة طوكيو بدأ يقرأ للأديب الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر Jean Paul Sartre (1905 - 1980م). لدرجة أنه قدم أطروحة الماجستير للتخرج، بعنوان (التخيل في روايات سارتر Sarutoru no Shsetsu ni okeru Imji Nitsuite). اتجه الأديب إلى الدقة في استخدام الكلمة في رواياته، وعدم حذف الضمائر في الأسلوب الأدبي، والبعد عن الغموض في الأسلوب الأدبي، ونتيجة هذه التأثيرات الغربية أصبحت لديه القدرة الأدبية على تطوير الأسلوب الأدبي الياباني المعاصر وبالأخص أدب ما بعد الحرب. واستفاد الأديب الكثير في بداية حياته الأدبية من الكاتب الياباني المشهور آبـــيه كوبـــو Abe Kb 1924 - 1993م أحد رواد الأدب الياباني ما بعد الحرب، ويتضح ذلك من المقدمة التي كتبها لأعمال الأديب آبيه كوبو: عندما بدأت أكتب روايات في البداية، لم يكن ثمة شيء أمامي سوى تقليد آبيه كوبو. حاولت جاهدا أن أقلد طريقته في التفكير، ولكني بالطبع لم أبلغ وضوح العالم الذي يبدعه، بعد ذلك طلب إلي أن أراجع رواية (الوحوش تذهب باتجاه الوطن) وهي إحدى روايات آبيه كوبو للصحيفة نفسها وهي أول مراجعة لكتاب أقوم بها. وهكذا فإن آبيه كوبو يعد مهما للغاية بالنسبة لي كي أبدأ حياتي الأدبية وما زال ذلك صحيحا حتى الآن وأنا أستطيع أن أتكلم إليه وجها لوجه. وخلال هذه المرحلة الأولى من حياته الأدبية أيضا وقبل التخرج في الجامعة عام 1959م تأثر الأديب بهزيمة بلاده في الحرب العالمية الثانية وضرب كل من مدينتي هيروشيما ونجازاكي بالقنبلة الذرية، وكانت أول صدمة في حياته، واستسلام الإمبراطور، وانهيار أيديولوجية القومية اليابانية، جعل لديه إحساسا عميقا بالهوان والضياع والمتاهة والسعي للبحث عن الذات وهوية جديدة تحت أنقاض الهزيمة، وقد انعكست تلك الظروف المأساوية التي عاشها الأديب في تلك الفترة القاتمة على العديد من أعماله الأدبية الأولى التي أنجزها في تلك المرحلة الجامعية والتي شهدت تدفق موهبته الإبداعية الأدبية على نحو لافت، مثل الأعمال الأدبية (إسراف الموتى Shisha no Ogori ) عام 1957م، و(الطريدة أو الغنيمة Shiiku ) عام 1958م، و (اقطف براعم الأزهار، وأطلق النار على الأطفال Memushiri Kouchi) 1958م، و(اقفز قبل أن تشاهد Miru maeni tobe ) 1958م، و(عصرنا Warera no Jidai ) 1959م. فيظهر فيها الروح التشاؤمية القاتمة. المرحلة الثانية من حياة الأديب: مرحلة الستينيات، تعتبر السنوات الأولى من الستينيات هي الأكثر غزارة في حياة الكاتب. تخرج الأديب في جامعة طوكيو عام 1959م، وبدأ يبحث عن هوية اليابان الضائعة بعد الحرب والتي شغلت الكثير من الكتاب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فبدأت تتحول كتاباته الأدبية نحو القضايا السياسية والاجتماعية والمطالبة بتأكيد القيم الجوهرية الإنسانية وقضايا السلام واحترام حق الإنسان في الحياة، وخصوصا قضايا ما بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت الشغل الشاغل لجيل ما بعد الهزيمة العسكرية التي كان لها انعكاسات هائلة على جميع مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية وبالأحرى الأدب الياباني، فأصبح الأديب منشغلا بأخلاقيات ذلك الجيل، وما تركته الحرب الذرية من بصمات ضاربة على المسار الأخلاقي لجيل تلك الحقبة المعتمة من تاريخ اليابان، وخصوصا ما شهدته تلك الفترة من انحرافات الشباب الياباني. والصراع بين القيم التقليدية والتغريب، وأيضا هي فترة انشغال الكاتب بقضية التسلح والتهديد النووي ويتجلى ذلك في أعمال تلك الفترة. وخلال هذه المرحلة الأدبية من حياة الأديب حدث حدثان مهمان لهما الأثر الواضح على حياته الشخصية والأدبية معا، أولهما عام 1963م إنجاب طفل مشوه بورم في الجمجمة بخلفية رأسه، فهي من الأحداث المصيرية في حياة الأديب. وكان على الروائي أن يختار ما بين الموافقة على إجراء عملية جراحية لابنه لاستـئصال هذا الورم قد تؤدي إلى تلف حاد بالمخ أو أن يترك ابنه لمصيره المحتوم.ولما كان الخيار صعبا بالنسبة له فلم يحتمل الموقف، فهرب إلى مدينة هيروشيما. وتقابل مع مدير مستشفى الناجين والأحياء من القنبلة الذرية والأطباء الذين كانوا يعملون في خدمتهم لتخفيف آلام المرضى. وكتب العمل الأدبي (إنسان ما بعد القنبلة الذرية Genbaku ato no ningen ) فهو على شكل حوار مع شيجتوفومي او Shiget Fumit مدير المستشفى. ومنذ هذه الزيارة لمستشفى هيروشيما تعلم الأديب طبيعة الحياة الإنسانية التي لا تفنى، وأنه يجب أن يعيش مع ابنه كما يفعل الأطباء مع ضحايا القنبلة الذرية. وعاد إلى طوكيو وطلب من الأطباء إجراء العملية الجراحية لابنه. وبعد إجراء العملية عانى ابنه تلفا بالمخ، وأصبح لا يستطيع الحديث والتجاوب مع الأصوات، وعند بلوغ ابنه الخامسة أصبح يتمتع بحاسة سمع جيدة فيقول الأديب في هذا الشأن:يبدو لنا أنه مستمتع عندما ندير له أحد الأشرطة المسجلة الذي يحتوي على قرابة مائة وخمسين صوتا مختلفا من أصوات الطيور. ذلك هو كل ما استطعنا تقديمه لهذا الطفل كوالدين، أن نجعله ينصت إلى مسجل بأغاني طيور برية. ولكن عندما بلغ الطفل عامه السادس فاجأنا بأنه يستطيع أن يميز بين الأصوات المختلفة. ليس هذا فحسب، بل استطاع أن ينطق بأسماء كل هذه الطيور التي تعرف إليها عبر المسجل. ولقد شجعنا ذلك على التحدث إليه باستمرار. وبعد تلك الحادثة، داوم الولد على سماع الموسيقى.... وكان قادرا على تمييز المقطوعات الموسيقية والتعرف إليها مثل أعمال موزارت وباخ الموسيقية . وقد أثرت هذه الولادة كثيرا في الكاتب الذي اعتبر أن ما أصاب الابن بمنزلة أحد آثار التلوث النووي الذي أصاب أبناء جيله، وكان ذلك الحدث البشع في حياته سببا لتحوله إلى النضال العام ضد التسلح النووي. وأثر ذلك أيضا على نتاجه الأدبي كله، فجعل ابنه المعوق بطلا لعدد لا بأس به من الروايات الأدبية والقصائد الشعرية. لذا قرر الكاتب أن يدخل هذا الابن ليس فقط في حياته اليومية بل أيضا في عالمه الروائي الذي يخلو من السقوط في التكلف العاطفي. انعكس هذا الحدث في عمله الأدبي الطويل (تجربة شخصية Kojintekina Taiken ). ويبدو أن تجربته القاسية مع ابنه أخمدت نيران المغامرة والتمرد التي كانت مشتعلة في أعماله التي سبقت ميلاد ابنه. وحول ميلاد ابنه داخل الرواية قال: أصابتني الشجاعة وأنا أمني نفسي بأن يكون لي طفل، لكن هذه الأمنية لم تلبث أن أصبحت مأساةفتحكي لنا هذه الرواية عن أحزان أب يتردد بين أن يتحمل مسؤولية الابن المعوق، وبين أن يقوم الأب بخنق الابن لكي يريحه من العذاب الذي ينتظره. ومنذ ذلك الوقت خصص الكاتب أعماله للحديث عن هذا الابن المعوق وتطوره وتفاعله مع الحياة. فيقول أيضا في روايته:الشيء الأكثر أهمية في هذا العالم هو ابني هيكاري، إنه يعيش الآن في مؤسسة لرعاية المرضى العقليين. إنه يعزف على البيانو. وهذا يدفعني دائما إلى أن أتكلم عن الشيء نفسه. ماذا أفعل من أجل ابني، إنني عاجز عن فعل شيء له في الوقت الذي نستطيع فيه أن نغزو الفضاء، ولذا فقد كرست أدبي كي يجيب عن مثل هذه التساؤلات . وفي نهاية الأمر استطاع أويه كنزابورو أن يجعل من ابنه إنسانا مستقلا، وبالفعل أصبح موسيقيا معروفا. وبعدها أعلن أويه كنزابورو أنه سيتوقف عن الكتابة عن ابنه المعوق الذي حقق الاستقلالية بنفسه. والحدث الثاني كان عام 1964م، والأديب في سن التاسعة والعشرين من عمره، هو زيارته لمدينة هيروشيما للاطلاع على الدمار الذي لحق بها. فوظف قلمه الأدبي في كتابة المقالات والكتب من أجل مناهضة التسلح النووي وتهديده مثل (ملاحظات على هيروشيما Hiroshima Nto) عام 1965م الذي نشره في سلسلة في مجلة العالم Sekai . والعمل الأدبي (قولوا لنا كيف نتجاوز جنوننا Warera no Kyki o Ikinobirumichi o oshieyo ) عام 1969م. والعمل الأدبي (ملاحظات على أوكيناوا Okinawa Nto ) الذي كتبه عام 1970م. ومجموعة المقالات (الخيال في العصر الذري Kakujidai no Sz ) التي كتبها عام 1970م. وخلال هذه المرحلة الأدبية الغزيرة، كتب العديد من الأعمال الأدبية. ففي عام 1964م نشر الأديب عمله الأدبي القصير (أجوي وحشي السماء Sora no Kaibutsu Agui ). والعمل الأدبي الطويل (مباراة كرة القدم في العام الأول من عهد مانئن Manengannen no Futtobru ) الذي صدر عام 1967م من خلال دار نشر كودانشا kdansha . وترجم إلى الإنجليزية تحت اسم (الصرخة الصامتة The Silent Cry ) في عام 1974م. وفي فرنسا ترجمت تحت اسم (رهان قرن من الزمن) أو (رهان القرن). ونال عنها جائزة تانيزاكي جون إيتشيروالأدبية Tanizaki Junichirsh الثلاثين المشهورة في الساحة الأدبية اليابانية. والعمل الأدبي (علمنا أن نتجاوز جنوننا Warera no Kyki o Ikinobirumichi o oshieyo ) الذي صدر من خلال دار نشر شينتشوشا Shinchsha . وتعد هذه الأعمال علامات مضيئة في سماء الرواية اليابانية المعاصرة. المرحلة الثالثة من حياة الأديب: وهي فترة السبعينيات والثمانينيات، وفيها يتميز أسلوب الأديب بالدقة والعمق الشديد والنضج، ومرحلة حصاد الجوائز الأدبية عن إبداعه الأدبي. وكرس خلال تلك المرحلة الأدبية قلمه الأدبي بالاهتمام بقضايا العالم الثالث ومشكلاته، فأخذ يبدع في حقل الرواية أثناء إقامته بالمكسيك لفترة طويلة، وأثمرت تلك الفترة أعمالا أدبية لافتة للنظر مثل العمل الأدبي (الطوفان غمر نفسي Gyzui wa Waga tamashii ni Oyobi ) الذي صدر من جزأين، من خلال دار نشر شينتشوشا Shinchsha عام 1973م. وقد نال عنها جائزة نوما الأدبية السادسة والعشرين Nomabungeish . وفي عام 1979م، كتب الأديب عمله الأدبي المشهور (اللعبة المعاصرة Djidai gmu ). وفي عام 1982م، كتب العمل الأدبي المشهور (النساء يستمعن إلى شجرة المطر Rein Tsuri o kiku Onnatachi ). وفي عام 1983م، كتب عمله الأدبي (استيقظوا أيها الشباب الحديث Atarashi hi yo Mezameyo ). المرحلة الرابعة من حياة الأديب وجائزة نوبل للآداب: وهي فترة التسعينيات، وفيها نال الأديب أرفع جائزة أدبية في العالم وهي جائزة نوبل في الآداب عام 1994م، وفوزه بهذه الجائزة الأدبية الكبرى مفاجأة له، واستقبل النبأ بتواضع دون أن يخفي فرحا عظيما وتمنى أن يتقاسم هذه الجائزة مع أقرانه اليابانيين الكبار الذين رحلوا عن الحياة أمثال الأدباء (إيبوسيه ماسوجي Ibuse Masuji 1898-1993م) والروائي (اوكا شوهي ka Shhei 1909م -1988م)، والأديب (آبيه كوبو Abe Kb 1924 - 1993م). ويقول الأديب أويه: بفضل ما ورثناه عنهم، ولأن الصدفة أرادت أن أكون على قيد الحياة حتى الآن، لي الشرف أن أحمل هذه الجائزة . وبهذا يصل الأدب الياباني إلى العالمية في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد قالت الأكاديمية السويدية باستوكهولم عند منحه الجائزة في بيانها: إن تجربة الحرب وانهيار اليابان في عام 1945م أثرا على تطوره بشكل قويوتابعت أنها اختارت أويه كنزابورو الذي شكل بقوة وشاعرية عالما خياليا حيث تتكثف الحياة والأسطورة في صورة مؤثرة لوضع الإنسان في العالم المعاصر. وأضافت إن استسلام اليابان بعد إلقاء القنابل الذرية في العام 1945م شكل للشاب أويه صدمة عنيفة. وترك هذا الذل في نفسه أثرا عميقا وميز الكثير من أعماله.وأضافت الأكاديمية إن رواية رهان القرن 1967م أوالصرخة الصامتة The Silent Cry هي عمل أساسي لأويه. فهناك مسألة ثورة فاشلة لكن وفي العمق هناك علاقات البشر في عالم لا يمكن الدخول إليه حيث تتداخل المعارف والأحلام والطموح فيما بينها وأوضحت عرفت دراساته توجها غربيا، وتأثر بقوة بثقافة الغرب. ومن بين الكتاب الذين يعددهم نرى دانتي ورابليه وبالزاك وبخاصة سارتر الذي أدت أفكاره الوجودية دورا حاسما بالنسبة إليه. وما جاء أيضا في حيثيات قرار الأكاديمية السويدية يبين سبب اختياره لهذه الجائزة. فقد عرف منذ بداية حياته الأدبية في الخمسينيات بالشخصية المناضلة المدافعة عن حقوق الإنسان، والمعارضة للتسلح النووي، والمعالجة للقضايا التي تتعلق بالعلاقات الإنسانية. وقال الأديب أويه كنزابورو في مقابلة صحافية غداة منحه جائزة نوبل من قبل الأكاديمية الملكية السويدية في استوكهولم:هذا الشرف هو شرف لكل الكتاب الآسيويين مضيفا آمل أن أستطيع بفضل هذه الجائزة أن أنشر الأدب الآسيوي في باقي العالم. وأوضح أن آسيا تنتج أدبا يجب أن يكون معروفا جيدا في الخارج وبنوع خاص أدب الصين. وإني أقدر الدور الذي تؤديه الصين في العالم ولكني أدين بحزم القمع الذي يتعرض له الكتاب الشباب الصينيون منذ أحداث ساحة (تيان آن مين). قبل ذلك كان هناك العديد من الكتاب الشباب الموهوبين في الصين. بعد فوز الأديب أويه كنزابورو بالجائزة قال الكاتب شيمادا ماساهيكو: إنني فرح جدا لأن هذه الجائزة ستجذب انتباه العالم إلى الأدب الياباني... وتوجد عادة فجوة كبيرة في الاعتراف بمؤلف قبل وبعد نيله جائزة نوبل للآداب. في المستقبل قد يقتل المديح أويه. وسيكون من سوء الحظ أن يقع الأديب أويه كنزابورو الذي أحترمه جدا في فخ التعليقات التي تمدحه. وعليه فإني أعتقد أنه إذا أخضع الأدب الذي أنتجه أويه حتى الآن إلى النقد على مستويات عدة، فسيكون ذلك إشارة إلى نضج الأدب الياباني. وقال الناقد الأدبي كاوامورا ميناتو: يعني فوز الأديب أويه كنزابورو بنوبل أن أدب ما بعد الحرب الياباني قد أصبح ناضجا وتم الاعتراف بقيمته.... ومع ذلك فإن بعض الناس في اليابان ما زالوا يسألون: وما هو أدب ما بعد الحرب هذا ؟ ومهما يكن هذا الأدب، فمما لا شك فيه أن الجائزة اعتراف بأن أدب ما بعد الحرب لم يكن بدون معنى، وأنه يقدم شيئا يلقى قبولا عالميا. و يعني فوز الأديب أويه كنزابورو بجائزة نوبل للآداب أن أدب ما بعد الحرب الياباني قد أصبح ناضجا واعترف بقيمته الأدبية على الساحة الأدبية العالمية. وبهذا الفوز للأديبين كاواباتا ياسوناري Kawabata Yasunari (1899 - 1972م)، والأديب (كنزابورو أويه Kenzaburo Oe 1935م - ) تأكدت مكانة الأدب الياباني عالميا، وبدأت تترجم الروايات اليابانية إلى مختلف لغات العالم. وهذا يعني أيضا انطلاقة الأدب الياباني الحديث والمعاصر إلى العالمية.