هذه الصفات لا بد من توافرها في المعالج بالرقية

نظرا لما تشهده عدد من المجتمعات من ظهور كثير من المعالجين بالرقية ودخول كثير من المنحرفين في هذا المجال بل ودخول بعض المشعوذين أيضا، أو تجاوز بعض المعالجين لحدود الرقية الشرعية كان لزاما على المريض أن ينظر في أمر المعالج قبل الذهاب إليه، وكان على المعالج أيضا أن يراجع نفسه ليضبطها بالشرع وأحكامه، حتى لا يخرج عن جادة الصواب، ويقع في المحظور من حيث لا يدري. وهذا ما يوضحه الشيخ ياسين المعاني فيقول: لا بد من الإشارة الإجمالية لبعض النقاط التي لا بد من الاهتمام بها لإلقاء نظرة عامة على المعالج وتقييمه وتحديد منهجه وطريقته? ويجب الحرص أن تكون هذه النظرة نظرة شمولية لا تقتصر على جوانب معينة دون الاهتمام بالجوانب الأخرى التي بمجملها تحدد طبيعة الشخص ومنهجه ومدى اتساق طريقته مع منهج أهل السنة والجماعة? وأوجز ذلك بالأمور التالية: سلامة العقيدة 1-صحة العقيدة: فمن فسدت عقيدته فلن يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ولقي الله وهو عليه غاضب? فلا يجوز الذهاب مطلقا إلى من اتخذ مسلكا وطريقا غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين ومن سار على نهجهم من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين? خاصة بعض أصحاب الطرق البدعية? فقد وصلت بدعهم إلى حد يفوق الوصف والتصور في مسائل الرقية والعلاج والاستشفاء. المعالج وإخلاص العمل 2- إخلاص العمل: فلا بد أن تكون الغاية والهدف من الاشتغال في هذا العلم هو التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ثم تفريج كربة المكروبين والوقوف معهم وتوجيههم الوجهة الشرعية في مواجهة هذه الأمراض على اختلاف أنواعها ومراتبها? لا كما يشاهد اليوم من ابتزاز فاضح لأموال المسلمين? واتخاذ طرق شيطانية في سبيل تحصيل ذلك? ومنها بيع ماء زمزم بقيمة قدرها ستون ريالا سعوديا? حتى وصل الأمر بالبعض لنظرة يشوبها الكره والحقد على أمثال هؤلاء الذين لم يرعوا في مسلم إلا ولا ذمة. ومن غرائب القرن العشرين ظهور فئات من المعالجين لم تكتف بجمع المئات من الريالات فحسب? بل تعدت ذلك لتحصيل الألوف? وكأنما أفقدها المال لذة الإيمان فأعمى بصرهم وبصيرتهم? ولم يذوقوا طعما لحلاوة الإيمان? ولا فهما لحديث رسول الله الثابت الذي رواه جابر - رضي الله عنه - حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه? من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته? ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة? ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة (أخرجه الإمام أحمد في مسنده - متفق عليه - الإمام البخاري في صحيحه? والإمام مسلم في صحيحه? وأبو داود في سننه? والترمذي في سننه? والنسائي في الكبرى? انظر صحيح الجامع 6619? صحيح أبي داود 4091? صحيح الترمذي 1152 - السلسلة الصحيحة 2362). أين الضمير الإسلامي حيث عمدوا إلى التفنن في الأساليب والوسائل المادية والمعنوية التي هي أبعد ما يكون عن الرقية الشرعية وأهدافها النبيلة السامية? فقد وصل الأمر إلى بيع شريط التسجيل بمبلغ قدره ثلاثون ريالا ? ناهيك عن استخدام جلد الذئب للحفظ من الجن والشياطين? فقل لي بربك هل وصل بنا الانحطاط إلى هذا المستوى من التردي? هل هان على أنفسنا أن نبيعها للشيطان? هل مات الضمير في قلوب من يدعون العلاج بالقرآن? لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصدق بأمثال هؤلاء على أنهم يريدون الخير والسعادة للمسلمين? أين هم من آية في كتاب الله عز وجل يقول فيها الحق جل شأنه: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) الفتح: 29? أين هم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم? كما ثبت من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم? وتراحمهم? وتعاطفهم? مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمىأخرجه الإمام أحمد في مسنده - متفق عليه? والإمام البخاري في صحيحه? والإمام مسلم في صحيحه? انظر صحيح الجامع 5849السلسلة الصحيحة ? 1083? . ألم يعلموا يقينا أن دفع الظلم عن الناس ومساعدة المكروب والسير في حاجة المسلم من أعظم القربات إلى الله سبحانه وتعالى? إن كان لي كلمات أعبر فيها عما أراه من مآس تحر ق القلوب فهي نصيحة خالصة أوجهها لهذا الرجل وأمثاله: أن يتقوا الله عز وجل? وأذكرهم بقول الحق تبارك وتعالى:( يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم )الشعراء: 88? ،89( فالله الله في أنفسكم قبل أن تقفوا بين يدي الله سبحانه وتعالى فتحاسبوا يوم الحساب لا يوم العمل. مع تأكيد أمر في غاية الأهمية أن الساحة ما خلت من وجود المحتسبين أصحاب العقيدة الصحيحة الذين وهبوا أنفسهم وأوقاتهم وأموالهم في خدمة الإسلام والمسلمين? مدافعين عن الحق نصرة لإخوانهم? ومساعدتهم في رفع الظلم وتفريج الكربة? فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيبهم عنا وعنكم وعن سائر المسلمين خير المثوبة والجزاء. المعالج بين العلم الشرعي والمظهر والسمت 3- العلم الشرعي: وبالقدر الذي يحتاجه المعالج في حياته لمتابعة الطريق القويم الذي يؤصل في نفسيته تقوى الله سبحانه أولا? ثم توقي الابتداع في مسائل الرقية? فلا يأخذ من هذا العلم إلا ما أقرته الشريعة أو أيده علماء الأمة وأئمتها. 4- المظهر والسمت الإسلامي: فمن الأمور التي لا بد أن يهتم بها المرضى مظهر المعالج العام من حيث التزامه بالسنة في شكله ومظهره? مع الالتزام في التطبيق العملي قدر المستطاع لنصوص الكتاب والسنة? واقتفاء آثار الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة وأئمتها. 5- المحافظة على الفرائض والنوافل: من حيث أداء الصلوات مع الجماعة والمحافظة عليها في وقتها ونحو ذلك من أمور العبادات الأخرى. الورع والتقوى والتواضع صفات لا بد منها 6- الورع والتقوى: وهي من أهم الصفات التي لا بد من الاهتمام بها وتوفرها في المعالج لكي يستطيع تقديم صورة بيضاء ناصعة عن هذا الدين وأهله? ويجب على المعالج تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن? والتورع قدر المستطاع في التعامل مع المرضى? ويجب أن تكون غايته وهدفه مرضاة الله سبحانه وتعالى? لا كما يفعل بعض المعالجين اليوم? فتقتصر النظرة إلى ما في جيوب المرضى من دينار ودرهم? ونسوا أو تناسوا ما عند الله سبحانه وتعالى من نعيم مقيم لا يفنى ولا يبلى? وفيه الخلود والسعادة الأبدية. 7- التواضع وخفض الجناح والبشاشة ورحابة الصدر: وحقيقة الأمر أن هذا الموضوع من الأمور المهمة التي لا بد من الاهتمام بها غاية الاهتمام لكلا الطرفين المعالج والمعالج? حيث أصبحنا نرى كثيرا ممن سلك طريق الرقية الشرعية وبدأ فيها بداية طيبة محمودة? أصبحت تراه بعد فترة من الزمن يمشي مشية المتكبرين ويتكلم بكلام المرفعين? وينظر إلى الناس من حوله نظرة احتقار وازدراء? وهذا والله هو الخسران المبين? ولا بد للمعالج من تقوى الله سبحانه وتعالى وإعادة الأمر كله له? فلولا حفظ الله سبحانه وتعالى له لتلقفته الشياطين منذ أمد بعيد? فليشكر الله? وليعامل الناس بما يحب أن يعامل? فعليه أن يكون متواضعا لينا? البشاشة تعلو محياه? وخفض الجناح أساس مسعاه? فيصبر على المرضى ويتفاعل مع مشاعرهم وأحاسيسهم وأحزانهم? ويظهر لهم حقيقة أنه يشاركهم فيما يحملونه من هم المرض والابتلاء? وعندئذ سوف يكون التواصل بين المعالج والمريض? ومن ثم تتجسد المحبة والألفة وهذا من أكبر دواعي الشفاء بإذن الله سبحانه وتعالى. مرجعية المعالج 8- المنطق والحديث: وأعني بذلك أن المعالج لا بد أن يكون له منهج واضح يعتمد أساسا على مرجعية الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة الأجلاء? وعليه أن يعود في المسائل المشكلة إلى العلماء وطلبة العلم للاسترشاد بآرائهم والتوجه بتوجيهاتهم? لا كما يفعل كثير من المعالجين حيث جعلوا قائدهم في التوجه والتصرف الأهواء والشهوات، وأصبحوا وكأنما يمتلكون علما لدنيا لم يحزه أحد سواهم? بل أصبحوا وكأنما قد جمعوا العلم من أطرافه. ليس هذا فحسب? إنما واجب المعالج أن يحرص كل الحرص على كل كلمة يقولها أو يتفوه بها وأن يضبطها بالشريعة أولا? وأن تضبط بسلامة الناحية العضوية والنفسية ثانيا? بل يجب عليه أن يحرص على نمط العلاقات الاجتماعية بين الأسر? فلا يتكلم بما قد يؤدي إلى الفرقة أو قطيعة الرحم دون القرائن والأدلة القطعية? وكذلك مراعاة المصالح والمفاسد? وقد يعجب الكثير من هذا الكلام? ولكنه واقع كثير من المعالجين الذين أساءوا السلوك والتصرف? وبناء على التصرفات غير المسؤولة لهذا الصنف من المعالجين ترى فلانا قد طلق زوجته? وآخر قد قذف أهله بالسحر والعين? وثالث ترك بيته ورابع وخامس? وكل ذلك ما كان لولا قلة العلم الشرعي عند تلك الفئة التي لم تراع إلا ولا ذمة في مسلم قط? ومن هنا فلا بد أن يحرص المعالج على قوله وعمله? فلربما تكلم بكلام أو فعل فعلا كلفه الكثير في الدنيا والآخرة. ضوابط لرقية النساء 9- التعامل مع النساء: ومما يجب الاهتمام به من قبل المرضى تعامل المعالج مع النساء ومن ذلك تقيد المرأة بلباسها الشرعي الإسلامي? وعدم الخلوة بها? أو النظر إليها? أو مس المرأة الأجنبية في أي موضع أو مصافحتها? وقد صدرت عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى عن حكم مس جسد المرأة يدها أو جبهتها أو رقبتها مباشرة من غير حائل بحجة الضغط والتضييق على ما فيها من الجان خاصة أن مثل هذا اللمس يحصل من الأطباء في المستشفيات وما هي الضوابط في ذلك? فأجابت - حفظها الله -: لا يجوز للراقي مس شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما في ذلك من الفتنة وإنما يقرأ عليها بدون مس? وهنا: فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد علاجه? بخلاف الراقي فإن عمله وهو القراءة والنفث لا يتوقف على اللمس.منشورات دار الوطن 10 مخالفات في الرقية رقم الفتوى 20361 بتاريخ 17401419أهـ نقلا عن كتاب ؛مهلا أيها الرقاة ص 115. لا يجوز مس المرأة في الرقية وقد تجوز بعض المعالجين مس المرأة الأجنبية للضرورة قياسا بفعل الطبيب? وبالنظر للنصوص الشرعية والتجربة والخبرة العملية لبعض المعالجين ممن أقحم نفسه في هذا الأمر? وندم حيث لا ينفع الندم? يتضح عدم جواز ذلك الأمر للاعتبارات التالية: أ - إن التجوز الحاصل في هذه المسألة يستند في الاستدلال والقياس بعمل الأطباء? والطبيب قد يعمد إلى ذلك الأمر من باب القاعدة الفقهية الضرورات تبيح المحظورات وبدراسة هذه المسألة من الناحية الشرعية يتضح الآتي: 1-لا يجوز للمرأة أن تذهب إلى طبيب إلا للضرورة القصوى? وفي حالة احتياجها لذلك? إما لعدم توفر طبيبة مسلمة? أو اضطرت لذلك الأمر لأي سبب من الأسباب. 2-قد يلجأ الطبيب إلى لمس المرأة لتحديد مكان الألم وطبيعته والأسباب الداعية إليه. 3- إن هذا الإجراء من قبل الطبيب يجب أن يتوافق مع نص القاعدة الفقهية الضرورة تقدر بقدرها فلا يجوز له في هذه الحالة أن يتعدى حدود منطقة الألم إلا فيما يعتقد أنه ضروري لذلك. ب - إن الطبيب يتعامل مع أمور محسوسة ملموسة? تحتاج في تشخيصها وقياسها لتكنولوجيا متقدمة? كاستخدام الأشعة والمناظير وغيره من الأجهزة الطبية المتطورة? وأما المعالج فيتعامل مع أمر غيبي غير محسوس? أو ملموس? ولا يستطيع أن يقطع أو أن يجزم به? مهما بلغت خبرته ونضجه في تلك المسائل? وفي هذه الحالة تنتفي الحاجة لقيامه بهذا الإجراء? والتعدي على حدود الله وشرعه ومنهجه. ج- لم أعهد من خلال التجربة العملية المتواضعة في هذا المجال ومن متابعاتي لبعض المعالجين ممن أقحم نفسه في هذا الأمر دون علم شرعي أو سؤال العلماء الأجلاء أن هذا الإجراء وهو لمس المرأة الأجنبية في أي موضع كان? يؤدي إلى أية نتائج بل على العكس من ذلك تماما? فقد يؤدي إلى مفسدة عظيمة? ويكفينا في التعامل مع هذه الناحية القاعدة الفقهية التي تنص على أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة مع اليقين بأن ليست هناك أدنى مصلحة شرعية البتة في قيام المعالج بمس امرأة أجنبية لا تحل له? كما بينت النصوص القرآنية والحديثية هذا المفهوم وأكدت عليه. د - قد يؤدي فتح هذا الباب إلى استغلال ذلك من بعض ذوي النفوس المريضة? ويصبح ذريعة إلى مفسدة أعظم وأشد. (من كتاب نحو موسوعة شرعية في علم الرقى، تأصيل وتقعيد في ضوء الكتاب والسنة والأثر)