وقفة تأمل في المولد النبوي

في هذه الأيام يحتفل الكثيرون من مدعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم بالمولد النبوي زاعمين أنهم بذلك يوفون النبي صلى الله عليه وسلم حقه وبالتالي يقربهم ذلك إلى الله جل وعلا. وبنظرة سريعة يظهر لك أن الاحتفال بالمولد النبوي يشتمل على صنع الحلوى وإقامة السرادقات وإلقاء الخطب والمحاضرات وإنشاد المدائح والقصائد المشتملة على الغلو والتطرف وكثرة الموائد والولائم وانتشار الباعة والتجار وأصحاب الألعاب بالإضافة إلى الزمر والرقص والاختلاط بين النساء والرجال وتعطيل الأعمال وإضاعة الأوقات والإساءة للدين وتضييع الفرائض وتعطيل الأحكام إلى غير ذلك. هذا هو ملخص لما يحدث الآن في الموالد والتي يسعى إليها الناس بل وبعض المنتسبين إلى العلم. قف وتأمل قل لي بربك هل الدين قائم على صنع الحلوى وإقامة السرادقات؟ وهل كانت عزة النبي صلى الله عليه وسلم وثقته بربه نتيجة لإكثاره من هذه الحلوى، وهل انتصر المسلمون وانتشر دين الله في الأرض لما أقاموا تلك السرادقات؟ وهذه الخطب التي تشتمل على مخالفات شرعية من تعظيم لأهل البدع والمنكرات والمنحرفين من الصوفية وغيرهم، هل هي السبب في قوة المسلمين وهل هي المنقذة لهم من استعباد الأمم لهم؟ ولماذا لم يكن لها أثر واضح في تحرير القدس إذن ؟ وهل يمكن للإنسان أن يتقرب إلى الله بكثرة الأكل والشرب وإضاعة الفرائض والنوم عن الصلوات؟ هل يكون الوفاء لسيد المرسلين وخاتم الأنبياء وهل تكون محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة فضله برقصات يقيمها أشباه الرجال وساقطات النساء؟ وهل توقير النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالزمر والطرب والغناء وإضاعة الأوقات وتعطيل الأعمال؟ إن هذه الأمور لا تسري إلا على صنفين من الناس إما أغبياء جهلاء وإما طالبي الشهوات والملذات، فهم لا يجدون مبررا لشهواتهم إلا نسبتها إلى محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم ليموهوا على العامة والدهماء. الصحابة في محبتهم وتوقيرهم وتعظيمهم لنبيهم هل يشك عاقل منصف أن الصحابة هم أشد الناس حبا لله ورسوله، لا يمكن أن يماري في ذلك أحد، فهم صفوة خلق الله وأحبهم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكيف كان وفاؤهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان حبهم له. انظر في هذه المواقف لتعلم حقيقة المحبة والولاء للنبي صلى الله عليه وسلم: يمشي عمر بن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال : لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقـال -أي عمر- : فأنت الآن أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر (أخرجه البخاري). فهل النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أنفسنا فعلا. وفي غزوة الحديبية يعقد النبي صلى الله عليه وسلم صلحا مع قريش، ويظهر في الصلح شدة قريش وتعنتها، فيضيق بذلك عمر بن الخطاب، فيأتي أبا بكر فيخاطبه في ذلك، فيقول إنه رسول الله، فيكون السكوت والرضا التام من عمر وسائر الصحابة. وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص يصوم الدهر فيأتي خبره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيأمره أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فيقول إني أطيق أكثر من ذلك فيأذن له في صيام الاثنين والخميس، فيقول إني أطيق أكثر من ذلك، فيأذن له في صيام يوم وإفطار يوم ولا يزيد على ذلك، فلما كبر عبد الله قال يا ليتني أخذت برخصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أن صيامه تطوع، لكن كان حريصا على الوفاء بما التزمه مع النبي صلى الله عليه وسلم وفارقه عليه. وفي معركة أحد يصاب المسلمون في أنفسهم إصابات بليغة، وتنتهي المعركة والمسلمون في وضع صعب من جروح أصيبوا بها، وبعد قليل يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه المتعبين بالمسير خلف المشركين لإظهار أن بهم قوة، فيستجيب المسلمون له، ويسارعون إلى أمره بالرغم ما بهم، حتى كان بعضهم يستند إلى بعض من شدة الإعياء. والآن لنقارن حال هؤلاء الصحابة بحال أصحاب الموالد والسرادقات، هل هم يسارعون إلى أوامر الله ورسوله ويجتنبون نواهيه، أم أن الأمر لا يتعدى شهوات تقضى وملذات تؤتى. كيفية الاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم إن الاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يقتصر بوقت في العام يذكر فيه عليه الصلاة والسلام في الخطب وعلى المنابر وفي التجمعات والاحتفالات ولكن بذكره دائما في كل وقت وفي كل حين. ويكون ذلك بما يلي: التزام أمره ونهيه أولا : متابعة أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم فلا يبلغك أمر بشيء عنه صلى الله عليه وسلم إلا سارعت إلى اتباعه، ولا يأتيك نهي عن شيء عنه إلا سارعت إلى اجتنابه، وقد جاء أمر الله سبحانه وتعالى في وجوب طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وجعل الله عز وجل طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من طاعته سبحانه، فقال: من يطع الرسول فقد أطاع الله وتواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته، والاهتداء بهديه والاستنان بسنته، وتعظيم أمره ونهيه، ومن ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة تحكيم منهجه وقوله في جوانب الحياة ثانيا: تحكيم قول النبي صلى الله عليه وسلم وسنته في جميع جوانب الحياة دون تردد ولا تلكؤ ولا كراهية فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وقد حذر الله جل وعلا من عدم التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أن ذلك من صفات المنافقين فقال: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا الرجوع إليه عند الاختلاف بعد كتاب الله ثالثا : الرجوع عند الاختلاف إلى كتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام كما أمر الله جل وعلا بذلك في قوله يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا توقيره ونصرته وتأييده رابعا : تعزير النبي -صلى الله عليه وسلم- أي نصرته وتأييده في حياته وبعد مماته ويكون ذلك بتأييد سنته وشرعه واحترامها وتوقيرها. قال الله تعالى: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ومن توقيره عدم رفع الصوت فوق صوته أو عند قراءة أحاديثه أو في مسجده صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون الاعتناء بسنته والدفاع عنها خامسا : الدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وحفظها والاعتناء بها وتدريسها وتعليمها وفعل كل ما يكون سببا لنشرها، فإن ذلك من نصرته، وهي من صفات المحبين له، قال الله تعالى: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون وقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم للمعتنين بها بقوله : نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع كثرة الصلاة عليه سادسا: كثرة الصلاة عليه والدعاء له، قال الله تعالى:إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ويقول صلى الله عليه وسلم من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. وقال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي دراسة سيرته العطرة سابعا : دراسة سيرته العطرة وأخذ العبر والفوائد منها والحرص على تطبيقها في حياة المسلم فلا تكون مجرد قراءة تاريخ فقط. وبعد فقل لي بالله عليك أحضور الموالد وانتهاك الحرمات وفعل المنكرات وإضاعة الأوقات وإفساد الأموال والابتداع في الدين ومخالفة هدي سيد المرسلين خير ودليل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والوفاء له أم ما ذكرناه مما دل عليه الكتاب والسنة.