عوائق في طريق الدعوة الإسلامية

الدعوة إلى الله جل وعلا هي أسمى ما يسعى إليه المسلم في هذه الدنيا بعد إيمانه بالله جل وعلا، كيف لا وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وهمة الصالحين والمتقين، وقد امتدح الله جل وعلا عباده الداعين إليه في عدد من المواضع، وجعل الثواب الجزيل على هذا الأمر قال سبحانه: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم قال داعيا الناس إلى الدعوة إلى الله بلغوا عني ولو آية وقد قال عليه الصلاة والسلام من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وهناك أدلة كثيرة تبين فضل الدعوة إلى الله وأنها من أفضل الأعمال. بيد أن هناك معوقات في طريق الدعوة إلى الله تمنع من تقدمها أو تحد من نفعها وتؤثر على سيرها وأثرها وفاعليتها نذكر منها ما يلي: عدم معرفة مصادر الداعية الحقيقة لا شك أن لكل إنسان مرجعيته في هذه الحياة، وإذا عرف الإنسان ذلك هانت عليه كثير من الأمور. والداعية إلى الله لا بد أن يكون على بصيرة من أمره، عالما بمرجعيته مطلعا على مصادر دعوته، لا أن يتخلى عن هذه المصادر ويهملها ليسير وحده في طريق وعر، دون أن يكون عنده أساس يبني عليه منهجه ويعرج عليه عند الخلاف والشقاق. إن مصادر الداعية لا بد أن تتمثل في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف الأمة الصالح، فإذا ما كثف الداعية اطلاعه على هذه المصادر كان ذلك من أسباب توفيقه في دعوته، وأما إهماله إياها واعتقاده بأن الدعوة إلى الله يمكن أن تكون بغيرها وأن تسير بدونها فإن هذا من أسباب الفشل والخذلان، وهذا هو السبب في عزوف كثير من المدعوين عن الاستجابة إلى الداعية، إذ أنه في الحقيقة لم يستطع أن يربطهم بالله ورسوله لعدم ارتباطه هو بذلك. البعد عن السيرة النبوية عدم الاطلاع على السيرة النبوية من العوائق في طريق الدعوة إلى الله، إذ أن طريق الدعوة إلى الله جل وعلا مليء بالأشواك محفوف بالمكاره، ولذا نجد بعض الدعاة لا يستطيع إكمال طريقه والاستمرار فيه لمجرد أذى يحصل له أو مكروه ينزل بأسرته أو نحو ذلك، ولو رجع هذا إلى السيرة النبوية سيجد أن ما تعرض له قد تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، فتهدأ نفسه ويعلم أن ذلك سنة الله في خلقه، وعندما يظل الداعية في دعوته شهورا ولا يستجيب له إلا القليل من الناس ويقرأ أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل في مكة عشر سنوات يدعو إلى الله ولا يستجيب له إلا القليل سيدعوه ذلك إلى الصبر والمجاهدة والاستمرار وعدم اليأس، وهكذا ترى أن الفائدة العظمى من الاطلاع على السيرة النبوية التي تجد فيها الكثير من الحلول والواقعية لحال الدعوة والدعاة إلى الله. عدم معرفة أدب الخلاف إن الخلاف بين الدعاة أو العلماء أو طلاب العلم في المسائل الشرعية، أو في طرق ومناهج الدعوة، أو في الوسائل والغايات أو غير ذلك من الأمور التي لا يخلو منها جيل ولا مجتمع، وذلك لما فطر الله الناس عليه من اختلاف عقولهم وأفهامهم، وهذا الأمر ليس وليد هذا العصر وإنما هو منذ القدم، وحدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهت غزوة الأحزاب ورجع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى المدينة جاءه جبريل عليه السلام ليخبره أن الله يأمره بالتوجه إلى بني قريظة، فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة فاختلف الصحابة في مراد النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم أراد النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وهو عدم صلاة العصر إلا بعد الوصول لبني قريظة، وقال بعضهم بل أراد أن يستعجلنا في التجهز والسير إلى بني قريظة فكنى بذلك عن هذا. ولا شك أن مثل هذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنفهم، وهذا هو المراد من هذا الأمر. إنه ما دام الخلاف حادث وواقع فإننا لن نستطيع أن نزيله، لكن نستطيع أن نخفف منه، وذلك بالحوار المفيد النافع الهادف بالرجوع إلى الكتاب والسنة لضبط آرائنا وقراراتنا، فإذا بقي هناك نوع من الخلاف فإن علينا مراعاة أدب الخلاف، كما كان عليه السلف الصالح. إن الخلاف لا يعني أبدا أن يسفه بعضنا بعضا، أو أن يتهم بعضنا بعضا بتهم لا تليق بالمسلمين، وأن يتحول الخلاف من مجرد خلاف إلى حرب يشنها المتخالفون بعضهم على بعض . وإنما لا بد من أن يعذر بعضنا بعضا، وتبقى الصلة والمودة والتواصل والشعور بالجماعة والأمة الواحدة، عند ذلك تثمر الدعوة إلى الله ونصل بها إلى ما نريد. الإهمال في الاطلاع على أحوال الناس وواقعهم يلاحظ على بعض الدعاة إهمالهم للاطلاع على أحوال الناس ومشاكلهم واهتماماتهم، وبالتالي فإن دعوته في الحقيقة لا تكون ملبية لحاجاتهم النفسية ولا مزيلة لهمومهم ومشاكلهم، ولو وفق الداعية لربط دعوته بما عليه واقع الناس لكان لدعوته أثرا واضحا بينا، ولعرف كيف يدخل إلى قلوب الناس من خلال أحوالهم وواقعهم. النقد الشخصي وليس نقد المنهج كثير من ا لشباب المنضمين إلى قافلة الدعاة تجدهم لا هم لهم إلا النقد، والنقد في حد ذاته مفيد ونافع إذا أحسن استخدامه، وكان الهدف منه الاطلاع على مواطن الخلل لتصحيحها وتفاديها، ويتضح ذلك عندما يكون النقد للمنهج نفسه بغض النظر عن الأشخاص، ولكن عندما يتحول النقد إلى نقد لاذع للأشخاص للتقليل من شأنهم والتهوين من أثرهم ومحاولة صرف الناس عنهم عند ذلك يصبح هدما وليس بناء، ويصبح عقبة كؤودا، وكم خسرت الدعوة الإسلامية بسبب أناس لا هم لهم إلا النقد وتلمس الأخطاء وتتبع الزلات، ثم بعد ذلك لا يحاولون إصلاح ما وجدوا ولا تفادي ما تلمسوه. الاهتمام بالصغائر دون الأصول من الأمور العجيبة عند بعض الدعاة الاهتمام بصغائر الأمور وتجاهل الأمور الكبيرة التي تستحق الاهتمام والمتابعة، فتجد بعضهم يركز على بعض الأحكام الشرعية والسنن والمندوبات وينسى ربط الناس بالله وإصلاح قلوبهم وتهذيب نفوسهم، ولذا تجد أن هذه النوعية بمجرد تعرضها لموقف أو ضغط أو شبهة يتركون ما هم عليه من الالتزام المؤقت، ذلك أن فعلهم هذا لم يربط بالله ربطا وثيقا يجعلهم يضحون من أجله. إننا لا ننكر أن تعريف الناس بأحكام دينهم واجبات وسنن ومحرمات ومكروهات أمر مطلوب بل ولازم، ولكن أن يهتم بهذا الأمر قبل بناء النفوس، وعلى حساب تقوية الإيمان في قلوب الناس وزرع الخوف والرجاء في صدورهم، هذا هو الخلل البي،ن ومن نظر في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أنه عليه الصلاة والسلام قد حرص أولا بل ظل عشر سنوات يدعو الناس إلى تطهير قلوبهم من دنس الاعتقاد، ويدعوهم إلى حقيقة التوحيد والإيمان بالله، ثم بعد ذلك بدأت الأحكام الشرعية تنزل شيئا فشيئا، ولكن بعد أن تأهلت قلوب الناس لأخذها وأصبحت نفوسهم متطلعة لتطبيقها، ولذا فإنه بمجرد نزول أمر من السماء نجد الصحابة يسارعون إلى تطبيقه لما تشرب في قلوبهم من الإيمان الصادق. الارتباط بالأشخاص دون المبدأ الارتباط بالمبادئ يختلف عن الارتباط بالأشخاص، ذلك المبادئ أمر ثابت والأشخاص يتغيرون ويتقلبون، ولذا فإن الله جل وعلا أنزل في كتابه توبيخا للمسلمين لضعف نفوسهم عندما بلغهم موت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، فقال سبحانه وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين هذا هو المبدأ الذي ينبغي للداعية أن يتحلى به، إنه يدعو إلى الله إلى شرع الله إلى دين الله، فلتكن دعوته متعلقة بالله وبدين الله، بغض النظر عن الأشخاص الذين يعملون معه أو العلماء الذين درس عليهم، ولا يعني هذا أن يكون كل شخص يدعو على حده دون ارتباط بعالم أو داعية ذا خبرة واطلاع، ولكن المقصود ألا تكون الدعوة متوقفة على داعية بعينه أو عالم بشخصه، فإذا ما توفي هذا الشخص أو عرض له عارض توقفت الدعوة وأهملت. استعجال الثمرة أما استعجال الثمرة فهو العائق الذي لا يكاد ينفك منه إلا القليل من الدعاة الذين من الله عليهم بتفهم ما هم عليه. وهذا العائق هو السبب الذي جعل الكثير لا يهتم بأمر الدعوة أو يخشى المضي فيها. إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث أنه رأى الأنبياء يأتون يوم القيامة ومعهم الرهط، ويأتي بعضهم ومعه الثلاثة، وبعضهم يأتي ومعه الاثنان أو الواحد، وبعضهم يأتي وليس معه أحد. فمن تدبر في قوله هذا علم أن الثمرة لا يسأل عنها الداعية أصلا، وإنما يسأل هل بلغ دعوته أم لا، ما على الرسول إلا البلاغ إن عليك إلا البلاغ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء تلك بعض العوائق في طريق الدعوة إلى الله جل وعلا، فمن حرص على تلافي هذه العوائق وسار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم وارتبط بالكتاب والسنة وأخلص النية لله أفلح بإذن الله وأثمرت دعوته.