الخليفة الأموي (مروان بن الحكم )

نسبه ونشأته: هو أول حاكم من الفرع المرواني الأموي وهو ابن أبي العاص أمية بن عبد شمس بن عبد مناف فهو أموي قرشي وكنيته أبو عبد الملك، وأمه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية. صفاته: كان رحمه الله، قصيرا، أحمر الوجه، أوقص، أي قصير العنق، دقيق العنق، كبير الرأس واللحية، وكان يعد من الفقهاء. واختلف في كونه صحابيا أم لا؟ حيث أنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يره لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل وعلى هذا يكون مروان ليس صحابيا بل هو من كبار التابعين. شهادة الموثوقين له: كان مروان من سادات قريش وفضلائها وقد شهد له كثير من كبار الصحابة بذلك، فقد كان عثمان بن عفان، رضي الله عنه، يكرمه ويعظمه، وكان علي، رضي الله عنه، يوم الجمل حين انهزم الناس يكثر السؤال عنه، فقيل له في ذلك؟ فقال: إنه يعطفني عليه رحم ماسة وهو سيد من شباب قريش. ولما قيل لمعاوية، رضي الله عنه: من تركت لهذا الأمر بعدك؟ فقال: أما القارئ لكتاب الله، الفقيه في الدين، الشديد في حدود الله، مروان بن الحكم. قال الشافعي: إن الحسن والحسين، رضي الله عنهما، كانا يصليان خلف مروان ولا يعيدانها ويعتدان بها. كان رحمه الله يتحرى العدل ولا يحيد عنه، فإنه لما كان نائبا على المدينة إذا وجدت معضلة يجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستشيرهم ويعمل بما يجمعون عليه. ومروان أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم العيد وذلك لما رأى الناس ينصرفون بعد الصلاة ولا يسمعون الخطبة. لما حصر عثمان كان مروان يقاتل دنه قتالا شديدا ولما أرادت السيدة عائشة الحج وعثمان محصور ذهب إليها مروان وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقالوا: يا أم المؤمنين، لو أقمت فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما يدفع الله به عنه. فقالت: قد حيت ظهري وأعريت غرائري، أي استعديت للسفر- ولست اقدر على المقام فأعادوا عليها الكلام فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم، فقام مروان وهو يقول: وحرق قيس على البلاد حتى إذا استعرت أجذما فقالت عائشة: أيها المتمثل علي بالأشعار وددت والله أنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وأنكما في البحر وخرجت إلى مكة. مروان ومقتل عثمان: اعتقد كثير من المؤرخين أن مروان هو السبب في مقتل عثمان بالكتاب الذي زوره على لسان عثمان وأرسله إلى مصر بقتل الوفد. والحق الذي قرره الثقات أن قتل عثمان كان من تدبير ابن السوداء عبد الله بن سبأ اليهودي فالاعتداء على عثمان، رضي الله عنه، كان مقصودا سواء وجد مروان أم لم يوجد، وهذه كلمة نقولها للحقيقة والتاريخ للذين لا يريدون إلا الحق براءة مروان من هذا الاتهام. مروان يوم وقعة الجمل: إن من شدة حزن مروان على مقتل عثمان أنه اشترك في موقعة الجمل مع من خرج من البصرة يطالبون بدم عثمان، وقد قاتل يومها قتالا شديدا فلما انتصر علي، رضي الله عنه، نظر مروان فإذا بطلحة بن عبيد الله فقال: والله إن دم عثمان إلا عند هذا هو كان أشد الناس عليه، وسدد إليه سهما فقتله فقاتل في ذلك اليوم حتى ارتث وعولج حتى برئ. مروان يوم الحرة: خرج أهل المدينة على يزيد بن معاوية يوم الرحة واجلوا بني أمية عن المدينة وكان فيهم مروان بن الحكم، وفي وادي القرى استقبلوا مسلم بن عقبة المري فأخذ يسألهم عن المدينة وأهلها واخذ مروان يخبره ويحرضه على قتالهم. قال مسلم بن عقبة لبني أمية: ما ترون؟ تمضون إلى أمير المؤمنين أو ترجعون معي؟ فقالوا: بل نمضي إلى أمير المؤمنين، ولكن مروان خرج على إجماعهم وقال: أما أنا فأرجع معك، يقول ابن سعد، رحمه الله،: فرجع معه مؤازرا له، معينا له على أمره حتى ظفر بأهل المدينة وقتلوا وانتهب المدينة ثلاثا. مروان وابن الزبير: كان موت معاوية بن يزيد سببا في اختلافات كثيرة وقعت بين المسلمين حيث مات رحمه الله دون أن يعهد إلى أحد فبايع أهل كل ولاية أميرهم على أن يتولى أمرهم إلى ان يجتمع الناس على خليفة يجمع شملهم ويلم شعثهم ويوحد كلمتهم، وقد برز في هذا الوقت عبد الله بن الزبير، رضي الله عنه، وأعلن بيعته وجاهر بالخلافة واجتمع عليه الناس وثار الولاة في ولاياتهم يدعون لابن الزبير وبيعته. وانقسم أهل الشام على أنفسهم، حسان بن مالك بالأردن يدعو لبني أمية، والضحاك بن قيس بدمشق يدعو لابن الزبير، وتجمعت قبيلة قيس بقيادة الضحاك بن قيس تؤيد ابن الزبير وتعلن بيعتها له، وواجهتها قبيلة كلب تؤيد بني أمية ويتعصبون لهم واتفقوا أخيرا، على أن يكتبوا لحسان بن مالك فيسير إلى الجابية ويسيرون إليه ليبايعوا الرجل من بني أمية، فلما هموا بالخروج إلى الجابية جاء ثور بن معن السلمي إلى الضحاك فقال له: دعوتنا إلى طاعة ابن الزبير فبايعناك على ذلك وأنت تسير إلى هذا الأعرابي من كلب تستخلف ابن أخته خالد بن يزيد. فقال له الضحاك: ما الرأي؟ قال: الرأي أن تظهر ما كنا نسر وندعو إلى طاعة ابن الزبير ونقاتل عليها، فمال الضحاك إلى أمراء الأقاليم يستمدهم فأمدوه بالرجال والجنود واجتمعوا كلهم إلى الضحاك بالمرج ودعا حسان بن مالك مروان بن الحكم، فقال: يا مروان، إن الناس والله ما كلهم يرضى بك. فقال مروان: إن يرد الله يعطينها لا يمنعني إياها أحد من خلقه، وإن يرد يمنعنيها لا يعطينها أحد من خلقه. وفاته: قيل: عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه وتحاملت عليها هي وجواريها حتى مات غما، يقول ابن سعد، رحمه الله، ثم قامت فشقت جيبها وأمرت جواريها فشققن جيوبهن وصحن عليه وقلن: مات أمير المؤمنين فجأة، وأراد عبد الملك أن يثأر منها، فقيل له: لا يسمع أن امرأة قتلت أباك، وكانت وفاته بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان سنة 56هـ- 586م وهو ابن ثلاث وستين.