فتح خراسان

بعد معركة نهاوند عام 21هـ الموافق 643م والتي كانت معركة حاسمة انتصر فيها المسلمون على الفرس انتصارا مؤزرا، حيث أطلق المسلمون عليها فتح الفتوح قرر خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعدها وحسب رأي الأحنف بن قيس الانسياح في بلاد فارس، ودفع قوات المسلمين إلى انحاء تلك المملكة كلها، فعقد سبعة ألوية لسبعة من القادة عهد إليهم فتح أرض فارس كلها، وكان ممن سار إلى خراسان الأحنف بن قيس التميمي. البدء في الفتح: سار الأحنف بن قيس على رأس جيشه حتى دخل خراسان من طالطبسين فافتتح هواة عنوة واستخلف عليها صحار بن فلان العبدي وسار نحو مرو الشاهجان عن طريق نهر هوالا فامتلكها واستخلف عليها حارثة بن النعمان ومنها سار نحو مرو الروذ مع وادي نهر مورغاب ليلاحق يزدجرد حيث فر إليها ووصلت الإمدادات من الكوفة إلى الأحنف بن قيس وسار المدد نحو بلخ حيث انتقل إلى بلاد ما وراء النهر، ولحق الأحنف بأهل الكوفة في بلخ وقد نصرهم الله على عدوهم، واصبح الأحنف سيد خراسان. طبرستان: أما طبرستان فقد تم فتحها على يد سويد بن مقرن المزني إذ أن عمر بن لخطاب رضي الله عنه عندما جاءه البشير بفتح الري كتب إلى نعيم بن مقرن أن يقدم أخاه سويدا إلى قومس. سار سويد إلى قومس ولم يصادف مقاومة من حماتها، ففتحها سلما وعسكر بها .. ثم سار إلى بسطام إحدى مدنها فأقام بها، ومنها كاتب ملك جرجان يدعوه إلى الصلح أو يسير غليه بجنودهن فبادر الملك الفارسي بالصلح على أن يؤدي الجزاء ويكفيه حرب جرجان ولهم الذمة والمنعة والأمان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم. عودة يزدجرد: كان يزدجرد بعد هزيمة نهاوند قد استعان بملوك التتار في بلاد ما وراء النهر ، فأمدوه بجيش مجهز فسار بهم ورجع إلى بلخ واستعادها وفر المسلمون الذين فيها إلى مرو الروذ حيث يقيم الأحنف بن قيس ، وقد ظل التتار في مدينة بلخ بينما سار يزدجرد إلى مرو الشاهجان فحاصرها وبها حارثة بن النعمان عاملا عليها من قبل الأحنف، فاستخرج يزدجرد منها كنوزه وانظلق نحو بلخ حيث ينتظره بها ملوك التتار. خراسان في عهد الخليفة عثمان بن عفان: توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه والمسلمون على حالتهم في خراسان إلا أن أهل خراسان لم يلبثوا أن نقضوا العهد بعد وفاته فاجتمع المسلمون في مرو الروذ وعليها عبد الرحمن بن سمرة، فكتب ابن سمرة إلى خليفة المسلمين عثمان بن عفان بخبره بنقض أهل خراسان العهد. فأرسل عثمان رضي الله عنه إلى عامله عبد الله بن عامر أن يستعيد فتح خراسان وأمده بعبد الله بن بشر في أهل البصرة، فخرج ابن عامر في الجند وولج خراسان من جهة يزد والطبين، وكان على مقدمته الأحنف بن قيس. وكان عبد الله بن عامر قد استطاع أن يعيد فتح خراسان بسرعة إذ أرسل الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ ففتحها بعد أن أجبر أهلها المتحصنين على الصلح، وأرسل الأحنف الأقرع بن حابس إلى الجوزجان ففتحها بعد قتال شديد استشهد فيه خلق كثير، وسار الأحنف إلى بلخ فصالح أهلها واستناب أسيد بن المشمس على قبض المال. واستعاد المسلمون مواقعهم في خراسان كلها، وأعادوا عمالهم على ما كانوا عليه. خراسان في خلافة معاوية بن أبي سفيان: استعمل معاوية بن أبي سفيان سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان ومضى سعيد بجنده في طريق فارس، فلقيه بن مالك بن الريب، وكان فتح الطبين، وهما بابا خراسان في هذا الجيش على يد عبد الله بن بديل بن ورقاء. ولقد كانت خراسان في البداية تتبع الوالي في البصرة وهو يرسل إليها نائبا عنه، ثم أصبح والي خراسان يعين من قبل الخليفة وإن كان يتبع البصرة. وقد تعاقب الولاة على إمارة خراسان، وعندما حدثت الفتنة في الدولة الإسلامية إثر مقتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.. كانت خراسان تشايع عليا رضي الله عنه، فلما تم الأمر لمعاوية رضي الله عنه، اعتصم زياد بن أبيه في خراسان، ولكن معاوية استطاع كسبه، وجعله أميرا على البصرة فكان يرسل الولاة إلى خراسان من قبله، ثم وليها ابنه عبيد الله، وعندما تولى أمر الكوفة عبيد الله بن زياد صار أمر خراسان إلى أخيه عبد الرحمن بن زياد ثم إلى أخيه أسلم. في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك: حدث خلاف أثناء خلافة عبد الله بن الزبير حيث شايعت خراسان ابن الزبير ثم دانت للحجاج بن يوسف والي المشرق من قبل عبد الملك بن مروان فولى على خراسان المهلب بن أبي صفرة الذي كان واليا على البصرة من قبل مصعب بن الزبير.. وبقي المهلب بن أبي صفرة حتى توفي عام 83هـ فخلفه ابنه يزيد فبقي مدة ست سنوات ثم عزل برأي الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يخشى بأسه، وعندما عزل حبسه الحجاج ولكنه استطاع أن يفر من السجن ويأتي إلى الشام .. وتولى مكانه قتيبة بن مسلم الباهلي فقام بفتح بلاد ما وراء النهر .. وفيها بيكند و الصغد و صخارستان وبخارى وسمرقند والبلاد التي حولها، وخوارزم.. حال خراسان في ظل تعاقب الولاة والاختلاف فيما بينهم: عاد يزيد بن المهلب إلى ولاية خراسان بعد وفاة الوليد بن عبد الملك،وتولية أخيه سليمان وبقي فيها حتى جاء إلى الخلافة عمر بن عبد العزيز فعزله وسجنه في حلب. ثم ولي أمر خراسان عمر بن هبيرة الفزاري أيام خلافة يزيد بن عبد الملك ولكنه عزل في أيام هشام بن عبد الملك وسجن وتولى مكانه خالد بن عبد الله القسري فكان أمير العراقين فأرسل أخاه أسدا إلى خراسان فبقي هناك حتى عام 120هـ حيث توفي، وكان هشام قد عزل أخاه خالدا، وأقام مكانه يوسف بن عمر الثقفي فسجنه يوسف وعذبه ثم قتله، ثم عين نصر بن سيار. هذا الخلاف بين الولاة واستبدالهم بشكل مستمر جعل شيئا من الفوضى أو عدم الاطمئنان بالنسبة إلى السكان وهذا ما جعل العصبية تنشأ وتظهر من جديد وبخاصة أنها قد وجدت في دمشق، مركز الخلافة، ومنها امتدت إلى الجهات كلها. خراسان في ظل الوالي نصر بن سيار وداعية بني العباس أبو مسلم الخراساني: نشأت العصبية وظهرت في ظل تعاقب الولاة وتغيرهم بشكل مستمر حيث كان أسد بن عبد الله القسري والي خراسان زعيم اليمانية ثم أصبح نصر بن سياد واليا وهو زعيم المضرية.. هذه العصبية أثارت عصبيات أخرى إذ أن الاعتماد على العرب وإهمال الموالي قد أثار النزعة الفارسية وقامت الدعوة إليها.. بينما كان الدين يجمع بينهما، وبذا تفرقت الأمة وتقطعت أوصالها.. واستفاد أبو مسلم الخراساني داعية بني العباس من هذه التفرقة القائمة في خراسان فضم إلى جموعه: 1-اليمانية المعارضة المضرية وزعيمها نصر بن سيار، وكانوا يطمعون أن تكون الولاية لهم لكثرتهم، وينقمون على المضرية. 2-الناقمين على الأمويين الذين يعتمدون على العرب ويهملون الموالي. 3-الجماعة التي ترى إهمال الدعوة الدينية وتوقف الفتح خطرا عظيما على الدين. 4-أصحاب العصبية الفارسية الذين يتخذون رد الفعل ضد الأمويين ستارا يخفون به حقائقهم. 5-الجماعة التي تؤيد آل البيت وترى فيهم قدوة وأحقية لتسلم الحكم. 6-هذا بالإضافة إلى الأطماع الشخصية والآراء الفردية وحب التغيير القائم في النفوس. ولقد أحس والي خراسان نصر بن سيار بهذه التفرقة وشعر بخطر العصبية، ولكن بعد أن فات الآوان فالنار قد اشتعلت ولا يمكن إخمادها بسهولة، وبخاصة أنه كان يتعصب للمضرية فكتب يستنجد ممن يمكن أن ينجده، ولكن يظهر أن البلاء قد عم. فقد كتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراقين يستمده .. فقال يزيد لا غلبة إلا بكثرة وليس عندي رجل. وكتب نصر إلى مروان بن محمد يعلمه حال أبي مسلم وخروجه وكثرة من معه وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد بن علي بن عباس.. وأعاد نصر النصيحة تلو الأخرى ثم التفت إلى حاضرته مرو يريد جمع العرب وإنهاء أمر الخلاف بين اليمانية والمضرية. ولكن لم تجد هذه الصيحات في وقت تشتتت فيه الأفكار، وتفرقت الأهواء، واستحكمت العصبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوها فإنها منتنة واستطاع أبو مسلم الخراساني الانتصار على أعدائه الذين تفرقوا .. والتقى جيش العباسيين القادم من المشرق بقيادة عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بجيش الأمويين بقيادة مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية على نهر الزاب أحد روافد دجلة، وكان الجيش الأموي مفرقا مختلفا لا يدافع عن فكرة ولا يعمل لدعوة .. بينما كان الجيش العباسي أفضل نسبيا يعمل لفكرة ويسير إلى هدف ويهدف إلى شيء يخطط له وهذا ما جعله يحرز النصر، ويحصل على الفوز، ويكتب لدولته القيام. زالت دولة بني أمية وقامت دولة بني العباس على أكتاف الفرس وفي عهدهم انتهى أحد الدعاة وهو أبو سلمة الخلال حفص بن سليمان ت: 132هـ وأعقبه أبو مسلم الخراساني عبد الرحمن بن مسلم ت: 137هـ مؤسس الدولة العباسية. ولكن العصبية والتنازع لم ينتهيان في خراسان فقد كان للرشيد أبناء عدة من زوجات مختلفات في العصبية وقد أوصى لبنائه من بعده الأمين فالمأمون فالمؤتمن ولم يكونوا من أم واحدة فتعصب العرب للأمين وانحاز الفرس للمأمون لأن أمه كانت من الفرس .. وكادت الفتنة تندلع إلا أنها انتهت بسير المؤتمن مع المأمون، وخمدت بمقتل الأمين.. خراسان في ظل الدولة الطاهرية: لم يمض وقت طويل على اندلاع العصبية التي دارت بين الأمين والمأمون إلا وقامت الدولة الطاهرية التي أسسها طاهر بن الحسين قائد المأمون وابتدأت العصبيات تظهر .. فقام الصفاريون في سجستان وامتد نفوذهم إلى خراسان ووصل حكم بني زياد في طبرستان إلى بعض أجزاءها أيضا. خراسان في ظل الدولة الخوارازمية ودول أخرى بعدها: ثم قامت الدولة الخوارزمية وحكمت أجزاء واسعة من خراسان ونازعها الغوريون على الأجزاء الباقية، واستمرت هذه الدولة حتى اجتاح المغول المنطقة بقيادة جنكيز خان عام 618هـ فأصاب المنطقة ما أصابها من دمار وخراب. وبعد جنكيز خان تقاسم أبناؤه إمبراطوريته الواسعة فتأسست الدولة الإيلخانية في فارس وحكمت أكثر أجزاء خراسان، وقامت الدولة الجغطائية في بلاد ما وراء النهر وحكمت منطقة طخارستان التي حاضرتها مدينة بلخ بينما كانت هواة في حكم الكرت الذي مركزهم بلاد الأفغان. حال خراسان إلى وقتنا الحاضر: عادت مرة أخرى الجماعات تتقاتل في خراسان ومن كتب له النصر سيطر على أجزاء منها، فقد حكم الأفشار خراسان ثم تقاسموها مع الأفغان، ثم حكم القاجار الأجزاء الغربية منها وتقاسموها مع الأفغان، بينما استقلت طخارستان بلخ. امتد حكم القاجار على الأجزاء التي تتبع إيران اليوم، بينما أخذ الأفغان المناطق التي تتبع أفغانستان الآن عدا بلخ التي كانت مستقلة بنفسها. أما الأقسام الأخرى فكانت تحت حكم الأوزبك الذين تجزأت دولتهم فكانت عدة خانات منها خيوه ومنها مرو ومنها ما وراء النهر بخارى و خوقند أما التركمان فكانت دولتهم بين بحيرة خوارزم وبحر الخزر. في هذا الوقت كان الروس يمدون نفوذهم على أواسط آسيا يسيطرون على تلك المناطق جزء بعد جزء فغزوا الجزء الأوزبكي بين عامي 1290- 1305هـ إذ دخلوا خيوه 1290 و مرو 1303هـ وكذلك ضمت طخارستان إلى الأفغان. وبهذا أصبحت خراسان التي كانت ولاية واحدة تتبع اليوم دولا ثلاثا: 1-روسيا: وتسيطر على الجمهورية المعروفة اليوم باسم تركمنستان. 2-أفغانستان: التي تتبعها منطقة طخارستان و هراه. 3-إيران: التي تتبعها نيسابور و طوس و طبرستان.