شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه

نسبه ونشأته: هو: شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن عمرو بن كندة حليف بني زهرة ويكنى أبا عبد الله. وقد مات أبوه وهو صغير فبقي في حجر أمه حتى بعد زواجها وقد تزوجت من سفيان بن معمر الأنصاري. كان شرحبيل شريفا في قومه من عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بدأ جهاده عندما شارك الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته وكانت هذه الغزوات بداية الجهاد الطويل الذي امتد أكثر من عشرين عاما هو عمر شرحبيل الإسلامي. إسلام شرحيبل: عندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شرحبيل في العقد الرابع من العمر، وقد نشأ شرحبيل يتيما في بيت سفيان بن معمر بن حبيب الجمحي الذي تزوج أمه حسنة بعد وفاة والده، وكان بين ولدي سفيان بن معمر وهما جابر بن سفيان وجنادة بن سفيان أخاهما لأمهما، وما إن بعث عليه الصلاة والسلام حتى سارع شرحبيل للدخول في دين الإسلام ولم يكن وحده بل كانت أسرته بأكملها سفيان وأبناؤه وحسنة وشرحبيل. الهجرة إلى الحبشة: ولما ازداد ما ينزل بالمسلمين من الأذى وبلغ منهم القتل والتعذيب والتمثيل مبلغا كبيرا حينئذ أشار عليهم صلى الله عليه وسلم أن يهاجروا في الأرض، ولما جاء استفسارهم إلى أين؟ قال: إلى بلاد الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج فريق من المسلمين عند ذلك إلى ارض الحبشة مخافة الفتنة وفروا إلى الله بدينهم، وخرج المسلمون في هجرتين كانوا في الأولى أحد عشر رجلا وأربع نساء تسللوا من مكة خفية وتحت جنح الظلام ثم أقاموا في خير جوار من النجاشي حتى ترامى إليهم أن المسلمين بمكة أصبحوا بمأمن من أذى قريش فعادوا فوجدوا قريشا أشد عنتا واكثر أذى عن ذي قبل، ولما لقوا هذا العنت عادوا إلى الحبشة في ثمانين رجلا غير نساؤهم وأطفالهم. الهجرة إلى المدينة والاستقرار بها : كان شرحبيل بن حسنة ضمن أسرة سفيان الجمحي التي هاجرت إلى الحبشة الهجرة الثانية وقد أقاموا بالحبشة حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، فعند ذلك هاجروا إلى المدينة حيث استقروا بها بالقرب منه صلى الله عليه وسلم . وفي المدينة نزل شرحبيل بن حسنة وأسرة سفيان الجمحي على بني زريق وهم من قومهم أو من ربعهم، وقد لزم شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن هاجر إلى المدينة وفيما بعد أصبح شرحبيل بن حسنة أحد كتاب الوحي. كان شرحبيل بعد قيامه بكتابة الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من خيار صحابته رضوان الله تعالى عليهم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعير منه ثوبه، وقد روت الشفاء بنت عبد الله، قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فجعل يعتذر إلي وأنا ألومه فحضرت الصلاة فخرجت فدخلت على ابنتي وهي تحت شرحبيل بن حسنة، فوجدت شرحبيل في البيت فقلت: قد حضرت الصلاة وأنت في البيت، وجعلت ألومه فقال: يا خالة، لا تلوميني فإنه كان لي ثوب فاستعاره النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: بأبي وأمي .. كنت ألومه هذا اليوم وهذه حاله وأنا لا أشعر، فقال شرحبيل: ما كان إلا درع دفعناه. شرحبيل من قواد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: خرج أبو بكر رضي الله عنه إلى ذي العقبة، وذلك لتجهيز الجيوش الإسلامية لمحاربة المرتدين، وجعل يوزع الجند ويجعل على كل لواء أميرا فعقد أحد عشر لواء على رأسهم خالد بن الوليد وعقد لعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة الكذاب باليمامة، فمضى كل أمير مع جيشه، وبعث أبو بكر في أثر كل منهم مددا يؤازرهم فكان في أثر عكرمة شرحبيل بن حسنة. سار عكرمة إلى اليمامة ولم ير أن ينتظر شرحبيل وتعجل لقاء عدوه مسيلمة الكذاب الذي التف حوله أربعون ألفا من الجنود، وكان عكرمة بطلا مجربا وفارسا مغوارا وقد اجتمع في لوائه أبطال لهم في الحروب بلاء، ولكنه لم يثبت لقوتهم بنو حنيفة أتباع مسيلمة، فكان نصيبه الفشل من جراء تعجله هذا، ولما كتب عكرمة لأبي بكر بالذي أصابه وأصاب جنده غضب وكتب إليه عاتبا على تعجله وعدم انتظار أخيه شرحبيل ورجاله، وكتب أبو بكر إلى شرحبيل بن حسنة يأمره بالمقام حتى يأتيه أمره، وقال أبو بكر لشرحبيل أيضا: إذا قدم عليك خالد ثم فرغتم إن شاء الله فالحق بقضاعة حتى تكون أنت وعمرو بن العاص على من أبى منهم وخالف. قدم خالد على شرحبيل الذي انتظره وقد هيأ رجاله للقتال وسار خالد نحو شرحبيل وتولى هو بنفسه قيادة المقدمة ومعه شرحبيل، والتقى الناس واقتتلوا قتالا شديدا واصطدم شرحبيل بقوات مسيلمة من بني حنيفة وحلفائهم في عقرباء حيث أبلى في هذه المعركة أعظم البلاء وقد اخترق أبطال المسلمين صفوف مسيلمة حيث دخلوا الحديقة من حيطانها ونظروا فإذا بمسيلمة واقف في ظل جدار كأنه جمل أورق وهو لا يعقل من الغيظ فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم فأصابه وسارع أبو دجانة فضربه بالسيف فسقط فنادت امرأة من القصر: وا أمير الوضاء قتله العبد الأسود، فعند ذلك علموا بموته، وانتهت وقعة اليمامة بنصر المسلمين. ووقف شرحبيل يدعو الله الذي منح جنده النصر المبين وشرف سيفه بقتال أهل الكفر والنفاق والكذب. انتصارات في الشام: اليرموك: بعد أن انتهت حروب الردة توجه المسلمون للجهاد في سبيل الله وإعلا كلمته فكان من نصيب شرحيبل الجهاد ضد الروم في بلاد الشام، ومن أشهر المعارك التي خاضها شرحبيل معركة اليرموك، هذه المعركة بالذات كان شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه، أحد أفراد القوات الخاصة التي تقوم بالعمليات الصعبة والغارات الشديدة. كان شرحبيل بن حسنة أحد مائة من أبطال المسلمين من المهاجرين والأنصار الذين وقع عليهم اختيار أميرهم وقائدهم خالد وجعلهم من فدائيي الإسلام كل فارس منهم يرد جيشا. في دمشق: قدموا دمشق في المحرم من السنة الرابعة عشرة للهجرة فسيطروا على غوطتها وما بها من كنائس وتحصن أهل الدينة وأغلقوا أبوابها فنزل خالد بن الوليد على بابها الشرقي في زهاء خمسة آلاف ضمهم إليه أبو عبيدة ونزل عمرو بن العاص على باب توما ونزل شرحبيل على باب الفردايس ونزل أبو عبيدة على باب الجابية، ويزيد بن ابي سفيان على الباب الصغير، وقد أبلى شرحبيل بلاء حسنا. من بيسان إلى طبرية: مضى شرحبيل بن حسنة على رأس قوات كبيرة فهاجم بيسان فتحصن أهلها فحاصرهم أياما معدودات ولكن أهلها خرجوا للقتال ودار بينهم وبين شرحبيل ورجاله قتال ضار شهدت له الآفاق، ولكن شرحبيل وجنده دحروهم في النهاية لأنهم جند الله، فلابد أنهم منتصرون، ومع نهاية معارك بطولية صالح أهل بيسان شرحبيل بن حسنة فكتب لهم كتاب صلح على مثل صلح دمشق. بلغت انتصارات شرحبيل بن حسنة أهل طبرية فتهيؤا للصلح وتركوا فكرة القتال أمام شرحبيل. نهاية بطل: كان عدد كبير من الصحابة قد أصيب بطعون عمواس هذا الطاعون الشديد الذي أصاب أعداد كبيرة من الناس ، وقد أصيب فيمن أصيب منهم شرحبيل بن حسنة ومعه معاذ وأبو عبيدة وأبو مالك الأشعري ويزيد بن أبي سفيان، وقد كان شرحبيل في قتها أميرا على الأردن فلم تدم إمارته طويلا في الأردن فقد عاجله الطاعون فسقط شهيدا. رحمة الله على شرحبيل فقد فارق الدنيا في السنة الثامنة عشرة للهجرة وقد بلغ من العمر سبعة وستين عاما.