معركة أجنادين وفتح دمشق سنة هـ

وضع الجيش الإسلامي قبل المعركة: كان جيش عمرو بن العاص آخر الجيوش الإسلامية الأربعة التي غادرت المدينة المنورة واتجهت إلى بلاد الشام، ولم يسلك عمرو في خروجه طريق التبوكية التي سلكها من سبقه بل نفذ أمر الخليفة بسلوك طريق المعرقة حتى نزل في غمر العربات وعندما نزل عمر بن العاص في غمر العربات، كان الروم قد حشدوا سبعين ألف مقاتل نزلوا ثنية جلق في أعلى فلسطين، إضافة إلى فرق وحاميات في مدنهم وحصونهم، كان هرقل يمدهم بها من حمص بعد أن نزح إليها من أنطاكية ليكون على مقربة من مجرى الأحداث، وبوصول خالد بن الوليد إلى أراضي غوطة دمشق اكتملت الجيوش الإسلامية والتي بلغ عددها ثلاثة وثلاثين ألف مجاهد بين فارس وراجل موزعين بالشكل الآتي: 1-9000 جيش خالد بن الوليد. 2-7000 جيش أبي عبيدة بن الجراح وقد سار على طريق التبوكية حتى وصل إلى الجابية جنوبي مدينة دمشق بحوالي 50 كيلو مترا، وقد ولاه أبو بكر على حمص ومناطقها. 3-7000 جيش يزيد بن أبي سفيان وقد خرج من المدينة المنورة سالكا طريق التبوكية ونزل في البلقاء وقد ولاه أبو بكر دمشق. 4-7000 جيش شرحبيل بن حسنة وقد سار أيضا على طريق التبوكية ونزل بصرى على منابع نهر اليرموك بالأردن وقد ولاه أبو بكر الأردن. 5-3000 جيش عمرو بن العاص وقد سلك طريق المعوقة باتجاه (إيلات اليوم على خليج العقبة) فنزل في غمر العربات وقد ولاه أبو بكر على فلسطين. فتوحات ما قبل المعركة: وصل خالد بن الوليد إلى غوطة دمشق وقام بتوزيع الجيوش الإسلامية وتعرف على مناطق تواجد الروم واتجه إلى بصرى. وقام بمحاصرتها وقد قسم خالد بن الوليد قواته إلى قسمين وهاجم المدينة من ناحيتي اليمين والشمال فدخل إليها أهلها وتحصنوا فيها، إلا أنهم لما شاهدوا المسلمين وشدتهم في الحصار لم يستطيعوا الصمود لأكثر من يوم وليلة طلبوا بعدها الصلح والأمان فصالحهم خالد بن الوليد على الجزية بأن يدفع كل حالم دينارا وجريب من قمح، وتابع خالد بن الوليد تطهير بلاد حوران من الروم وعملائهم الذين فروا في كل اتجاه يلتحقون بحاميتهم وجماعتهم. وبعد أن تم فتح حوران بأكملها ترك خالد بن الوليد فيها شرحبيل بن حسنة بعد أن دخل المدينة وأقام معسكره فيها، ثم رجع كل أمير من أمراء الجيوش الإسلامية إلى موقعه السابق، وفي نية خالد أن يسرع بالذهاب إلى دمشق ليفتحها. أخذ خالد بن الوليد وأبو عبيدة بالإغارة تلو الإغارة على الأنحاء المحيطة بدمشق وأهلها محاصرون فيها، فكان خالد بن الوليد مرابطا أمام الباب الشرقي بدمشق، أما أبو عبيدة فكان مرابطا أما باب الجابية. موقف هرقل من الأحداث: هذا من ناحية المسلمين أما من ناحية الروم فإنه لما بلغت أنباء سقوط بصرى بيد المسلمين ومعها بلاد حوران كلها مسامع هرقل ووصله قوة المسلمين، غضب غضبا شديدا وجمع بطارقته وقادته وعرض عليهم ما حل ببصرى. فاتفق المجتمعون على أن يخرج وردان الأمير الرومي على حمص على رأس قوة مقاتلة من الروم ومن النصارى العرب الموالين لهم فينضمون إلى الجيش الرومي المعسكر في جلق شمال فلسطين ويعملون على ضم ما أمكنهم من العرب المؤيدين لهم، هذا بالإضافة إلى قيام وردان بمهاجمة جيشه وقوامه مائة ألف مقاتل جيش شرحبيل بن حسنة في بصرى دون التعرض لخالد ولأبي عبيدة حول دمشق، وبالتي يتم فصل شرحبيل عن بقية الجيوش الإسلامية فيسهل على الروم هزيمته واسترداد بصرى منه. بعد ذلك يخرج وردان من حمص سالكا طريق البقاع بعلبك متبعا الطريق الغربية لساحل البحر المتوسط من صور إلى عكا إلى نابلس حيث يبلغ أجنادين التي تقع جنوب نابلس. ما قبل المعركة: بلغ خالد بن الوليد البعيد أخبار وردان وما جمعه من جيوش وما عزم عليه له، فأمر جيشه بالاستعداد للانطلاق إلى أجنادين بجميع المسلمين الموجودين في جيشه وجيش أبي عبيدة. وسار خالد بن الوليد في مقدمة الجيش بينما كان أبو عبيدة يسير في آخر الجيش مع فرقة حماية المؤخرة من أكفأ وأشجع الفرسان المسلمين. كان أهل دمشق يراقبون التحركات فلما شاهدوا تحركهم جنوبا ظنوا أنهم ينسحبون فركبهم الغرور وخرج الجيش الموجود فيها يتبع المسلمين حتى إذا وصل إلى مكان كان أبو عبيدة وجيشه قد تأخر فيه عن بقية الجيش الإسلامي حاصره الروم ومنعوه من متابعة الطريق. عند ذلك قام أبو عبيدة والمسلمين معه بالاستعداد للقتال حيث لم يجدوا بدا منه في هذه الحالة، وصمدوا في وجه الروم الذين ضغطوا عليهم ضغطة شديدة محاولين قتلهم أو أسر عدد كبير منهم على الأقل، وثبت المسلمون يقاتلون أعدائهم قتالا شديدا ، وصدوا ما قام به الروم من هجمات . ولما لاحظ مؤخرة الجيش الإسلامي تخلف أبو عبيدة ومن معه من المسلمين تخلفا كبيرا أبلغوا خالد بن الوليد بالأمر فأسرع يلوي عنان فرسه وأمر المسلمين بالرجوع شمالا حتى وصل إلى المكان المحاصر فيه أبو عبيدة ومن معه من المسلمين فهجم خالد بن الوليد وتبعه المسلمون هجوما سريعا فحصروا بذلك الروم بينهم وبين أبي عبيدة ، ولم تجر معركة كبيرة تذكر لأن الروم أخذوا بالهرب لما شاهدوا مقدم خالد وطاردهم المسلمون حتى فروا جميعا ،فعاودوا أدراجهم وتوجهوا جميعا نحو أجنادين. وفي أثناء سير خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح إلى أجنادين انضم إليها في الطريق يزيد بن أبي سفيان وجيشه وأرسل خالد بن الوليد رسولا سريعا إلى شرحبيل بن حسنة يخبره بما بلغه من أخبار وردان ويأمره بأخذ الحيطة ، فوصل الرسول إليه قبل أن يدركه وردان بيوم واحد، وشرحبيل لا يعلم عن ذلك الأمر شيئا، وأعطاه الرسول كتاب خالد فلما قرأه أمر الناس بالاستعداد للسير إلى أجنادين فورا. استعان شرحبيل بن حسنة بدليل ماهر فخرج به وبجيشه من طريق تلامس البادية ثم انعطف بهم جنوبا حتى أوصلهم إلى أجنادين ثم وصل بعد ذلك عمرو بن العاص وجيشه والتقى بالجيوش الإسلامية الأربعة التي سبقته حيث عسكر المسلمون هناك بفرسانهم ورجالهم ونسائهم يستعدون للمعركة الحاسمة. تنظيم الجيوش: أخذ وردان ينظم صفوفه بعد أن بلغ أفراد جيشه مائة ألف مقاتل من الروم ومن العرب الموالين لهم، ونظم خالد بن الوليد جيشه بطريقة عادية مع إضافة النساء في المؤخرة ليشعر الجنود الإسلامية بمدى مسئوليتهم في القتال ويحمسونهم على الجهاد ويمدونهم بما يحتاجون إليه من مؤن وماء وغيره. عين خالد بن الوليد بعد ذلك أمراء جيشه الموحد وقواده فكان: 1-أبو عبيدة بن الجراح على المشاة في القلب. 2-معاذ بن جبل على الميمنة. 3-سعيد بن عامر بن جذيم القرشي على الميسرة. 4-سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ابن عم عمر بن الخطاب على الخيل. بدأ المعركة وأحداثها: لم يتمالك وردان من الوقوف دون قتال وقد رأى نفسه يقود جيشا يبلغ ثلاثة أضعاف جيش عدوه من المسلمين، فأمر ميسرته بمهاجمة ميمنة المسلمين، وصمد معاذ بن جبل ورجاله في وجه الهجوم واقتصر دورهم على رده دون أن يلتحموا معهم في قتال. ثم شن ميمنة جيش الروم هجوما على ميسرة جيش المسلمين إلا أن سعيد بن عامر وفرقته تصرفوا مثلما تصرف من قبلهم معاذ بن جبل. عند ذلك أمر وردان الرماة برمي الأسهم في وجوه المسلمين، كل ذلك كان يتم ويجري وخالد بن الوليد رابط الجأش ثابت النفس يرقب ما يجري بانتظار اقتناص الفرصة الملائمة، واشتد رمي النبل وأخذت الخيول تتململ تحت الفرسان، فصاح سعيد بن زيد بن عمرو: علام ننتظر لهؤلاء الأعاجم وقد رشقونا بالنشاب حتى شمست الخيل، فلما رأى خالد بن الوليد حماس المسلمين صاح بهم: احملوا رحمكم الله على اسم الله فانقض المسلمون على عدوهم وهاجموهم هجوما كاسحا وقاتلوا قتالا شديدا أذهل الروم ومن معهم من العرب، فلم تتح لهم سرعة الضربات وشدة الهجوم الوقوف بوجه الرجال والفرسان الذين استبسلوا في القتال بشراسة وشدة. فأخذ الروم يفرون في كل اتجاه والعرب الموالين لهم يتبعونهم، كل واحد منهم يلجأ إلى حصن أو حامية يعرفها، وأخذ المسلمون يطاردونهم حتى قتلوا منهم ثلاثة آلاف بينهم قائدهم وردان الذي وجدوا رأسه ملفوفا بثوب وقد قطعت عنقه. نماذج مشرفة من المعركة: لعل من الأمور التي أحزنت المسلمين موت أبان بن سعيد بن العاص الذي كان قد تزوج ابنة عتبة، وقد بات معها ليلتين، فقد أصيب أثناء المعركة بسهم في رأسه، ولما حاول المسلمون نزع عمامته قال لهم: لا تنزعوا عمامتي عن جرحي، فلو قد نزعتموها تبعتها نفسي ومات على أثر جرحه ذلك. وقد استشهد في هذه المعركة من قريش وحدها أربعة عشر رجلا من أشرافها وأسيادها إضافة إلى غيرهم من المسلمين، ومن الذين سقطوا شهداء يوم أجنادين من الأبطال العظام والفرسان الشجعان: سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي، نعيم بن صخر بن عدي العدوي، هشام بن العاص أخو عمرو بن العاص، هبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي، عبد الله بن عمرو بن الطفيل، عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هشام، عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، طليب بن عمير بن وهب بن قصي بن أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته: أبو عدي، عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن مخزوم، جندب بن عمرو الدوسي، سعيد بن الحارث، الحارث بن الحارث، الحجاج بن الحارث والثلاثة أبناء الحارث بن قيس بن عدي السهمي، والحارث بن هشام بن المغيرة. وبفتح أجنادين تيسر فتح الشام بأكملها إذ هي كانت كالبوابة لها .