الخليفة الأموي (عبد الملك بن مروان والد الخلفاء الأمويين )

نسبه ومولده: هو عبد الله بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وكنيته أبو الوليد، ولد بالمدينة سنة 26هـ 647م. في خلافة عثمان بن عفان، شهد يوم الدار، اليوم الذي حوصر فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه مع أبيه وهو ابن عشر سنسن، ولاه معاوية بن أبي سفيان إمرة المدينة سنة 42هـ 662م وكان عمره يومئذ ست عشر سنة وأمره أن يمشي بالمسلمين بأرض الروم فركب الناس بالبحر وهو أول من شتا بهم (أي خرج بهم شتاء لغزو الروم)، وكان ذلك في العام الذي تولى فيه إمارة المدينة وهو أول من سمي في الإسلام بعبد الملك. صفاته وأخلاقه : قال ابن سعد رحمه الله في صفات عبد الملك :كان عابدا ناسكا قبل الخلافة ويقول ابن كثير، رحمه الله، كان عبد لملك قبل الخلافة من العباد الزهاد الفقراء الملازمين للمسجد وتلاوة القرآن، وكان ربعة من الرجال أقرب إلى القصر، وكانت أسنانه مشيكة بالذهب. وقد كان رحمه الله قبل الخلافة يجالس الفقهاء والعلماء والعباد والصالحين الملازمين للمسجد التالين للقرآن. روى الحديث عن أبيه وعن جابر وأبي سعيد وأبو هريرة وابن عمر وغيرهم وروى عن جماعة منهم الزهري. قيل: كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب وعروة وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان قبل أن يدخل في الإمارة. قال الشعبي: ما جالست أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذاكرته حديثا إلا زادني منه، ولا شعرا إلا زادني فيه. وكان عبد الملك بعد ما تولى الإمارة مقداما على سفك الدماء وكان حازما فهما فطنا سائسا لأمور الدنيا، لا يكل أمر دنياه إلى غيره، وهو أول من ضرب الدنانير وكتب عليها القرآن. زوجاته وأولاده: من زوجاته: ولادة بنت العباس بن جزء العبسية، وولدت له: الوليد وسليمان ومروان الأكبر وعائشة. وتزوج عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فولدت له: يزيدا ومروان ومعاوية وأم كلثوم. وتزوج عائشة بنت إسماعيل المخزومية، فولدت له: هشاما. وتزوج عائشة بنت موسى فولدت له: أبا بكر واسمه بكار. وتزوج أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان فولدت له الحكم. وتزوج أم المغيرة بنت المغيرة بن خالد بن العاص، فولدت له: فاطمة. ومن أولاده المنذر ومسلمة وعنبسة ومحمد وسعيد الخير والحجاج. قال الثعالبي: كان عبد الملك يقول: ولدت في رمضان وفطمت في رمضان وختمت القرآن في رمضان وبلغت الحلم في رمضان ووليت في رمضان وأتتني الخلافة في رمضان وأخشى أن أموت في رمضان فلما دخل شوال وأمن مات. موقفه من الناصحين: اشتهر عبد الملك قبل الخلافة بالتقوى وملازمة المسجد وتلاوة القرآن وكان الظن به أن يستمر على ذلك بعد أيلولة الخلافة إليه إن لم يزدد برا وتقى وكان هذا الظن هو الذي دفع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وغيره من المؤمنين لبذل النصيحة لعبد الملك بعد توليه أمر المسلمين. كتب عبد الله بن عمر إلى عبد الملك بن مروان بعد أن تولى الحكم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بم عمر إلى عبد الملك أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنك راع، وكل راع مسئول عن رعيته الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا وبعث بالرسالة إليه، فلما قرأها ساءه أن قدم اسمه على اسم أمير المؤمنين وأمر عبد الملك أن ينظر في كتبه التي كان يكتبها لمعاوية رضي الله عنه فوجدها كذلك فاحتمل عبد الملك ذلك منه، وقبلها رحمه الله خلافته وأهم الأحداث في عهده: تولى عبد الملك خلافة الدولة الأموية سنة 65هـ بعد فترة عصيبة مليئة بالاضطرابات السياسية حين كان ابن الزبير لا يزال مسيطرا على العراق والجزيرة العربية، بينما كان المختار بن أبي عبيد الثقفي مستول على الكوفة، إضافة إلى ثورات الخوارج المتعدد ضد الدولة الأموية، ومع هذا استطاع عبد الملك أن يتغلب على هذه المشكلات السياسية ويرسي قواعد الدولة من جديد على أسس قوية، فاعتبر بحق المؤسس الثاني للدولة الأموية فقد استطاع أن يوحدها من جديد على النحو الآتي: 1-استعادة العراق: أعلن المختار بن ابي عبيد الثقفي ثورته في الكوفة سنة 66هـ فاستولى عليها وأخرج منها عامل ابن الزبير وادعى أنه موفد من قبل محمد بن الحنفية للانتصار لآل البيت وقد أيدته جموع كثيرة من أهل العراق، وانتصر على الجيش الأموي الذي كان يقوده عبيد الله بن زياد في معركة (عين خازر) سنة 67هـ فقوي نفوذه واستفحل أمره فما كان من عبد الله بن الزبير الذي كان لا يزال يسيطر على الحجاز إلا أن أرسل أخاه مصعب بن الزبير وعينه واليا على البصرة والكوفة فسار في جيش كبير لتخليص الكوفة من المختار حيث استطاع مصعب هزيمة المختار وقتله سنة 67هـ فاستولى على الكوفة وبذلك عادت العراق تحت حكم ابن الزبير، ولم يكن عبد الملك بن مروان لم يكن غافلا عن هذه الأحداث فقد جهز جيشا كبيرا من أهل الشام وسار به إلى مصعب بن الزبير في العراق، فدارت بين الطرفين معركة غير متكافئة خذل فيها أهل العراق مصعبا بينما ثبت أهل الشام مع عبد الملك وقتل مصعب وعدد من أنصاره سنة 72هـ، ثم سار عبد الملك حتى دخل الكوفة فوعد المحسن وتوعد المسيء ثم عين واليين من قبله على الكوفة والبصرة، لذلك لم يبق خارجا عن سلطان الدولة الأموية سوى الحجاز الذي كان يدين بالولاء لعبد الله بن الزبير. 2-استعادة الحجاز بعد أن استعاد عبد الملك بن مروان العراق، بعث الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش كبير من أهل الشام لاستعادة الحجاز، ومقابلة عبد الله بن الزبير، وكتب معه أمانا لأهل مكة إن هم أطاعوه وكان ذلك في سنة 72هـ وعندما وصل الحجاج إلى مدينة الطائف نزل بها ثم سار إلى مكة المكرمة وحاصرها، ودافع ابن الزبير وأصحابه عن مكة دفاعا مجيدا وضربوا مثلا رائعا في الشجاعة والصبر، إذ استطاعوا أن يصمدوا أمام هذا الجيش المحاصر لهم ومنعوه من ان يستولي على مكة قرابة سبعة اشهر، لكن طول الحصار من ناحية وكثرة الجيش من ناحية أخرى اضعف موقف المدافعين، فقلت المؤن وأصاب أهل مكة مجاعة شديدة اضطر معها المحاصرون إلى القتال وقد صمد عبد الله بن الزبير في المعركة حتى قتل سنة 73هـ وعلى الإثر دخل الحجاج مكة، فبايع أهلها لعبد الملك بن مروان ثم سار إلى المدينة المنورة فدانت له وبذلك دخل الحجاز في طاعة الدولة الأموية. 3-حركات الخوارج: لما آلت الخلافة إلى عبد الملك استعمل المهلب بن أبي صفرة وعهد إليه بقتال الخوارج كما عين الحجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق، فأقر المهلب بن أبي صفرة لقتال الخوارج في بلاد فارس وأمده بجيش كبير من أهل البصرة والكوفة فكانت له معهم حروب عديدة استطاع في النهاية أن يتغلب عليهم. وقد أدت هذه الضربات التي أوقعها عبد الملك والحجاج والمهلب بالخوارج إلى إزالة خطرهم، فعم الهدوء أقاليم الدولة الأموية خلال عهد عبد الملك وولديه الوليد وسليمان. أهم أعماله: كانت خلافة عبد الملك بن مروان إحدى وعشرين سنة، أعاد فيها توحيد الدولة وقضى على حركات المعارضة السياسية كما قام بتعريب دواوين الدولة حيث كانت تكتب في الشام باليونانية وفي العراق بالفارسية وفي مصر بالقبطية، كما سك العملة الإسلامية فأنشأ دار سك العملة في دمشق حيث أصدر الدينار العربي الإسلامي كما أمر واليه على العراق (الحجاج) بإنشاء دار للسكة في الكوفة، فأصدر الدرهم العربي الإسلامي كما أحكم عبد الملك تنظيم البريد ليكون على اتصال مستمر مع الولاة والجيوش. وفاة عبد الملك سنة ست وثمانين: في منتصف شوال من هذه السنة توفي خليفة المسلمين عبد الملك بن مروان وكان خلافته ثلاث عشرة سنة وخمسة اشهر بعد اجتماع الناس عليه وقتل عبد الله بن الزبير. وكان عمره يوم قتل ستين سنة على خلاف في ذلك، ودفن بدمشق بباب الجابية الصغير.