الخليفة أبو جعفر المنصور

ولادته ونسبه وحياته وفضائله وصفاته: هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس القرشي الهاشمي العباسي أبو جعفر المنصور، وأمه أم ولد اسمها سلامة البربرية، ولد سنة خمس وتسعين. كان فحل بني العباس هيبة وشجاعة، كامل العقل، جيد المشاركة في العلم والأدب، فقيه النفس، قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه. قال محمد بن علي الخرساني: المنصور أول خليفة قرب المنجمين وعمل بأحكام النجوم وأول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والأعجمية بالعربية. وأولاد المنصور: محمد المهدي وهو ولي عهده، وجعفر الأكبر وأمهما أروى بنت منصور، وله عيسى ويعقوب وسليمان وأمهم فاطمة بنت محمد، وله جعفر الأصغر من أم ولد كردية وصالح المسكين من أم ولد رومية والقاسم من أم ولد أيضا. توليه الخلافة: لما مات السفاح كان المنصور في الحجاز يؤدي مناسك الحج فبلغه موته وهو بذات عرق راجعا من الحج وكان معه أبو مسلم الخرساني، وتولى الخلافة في أول سنة سبع وثلاثين ومائة. قيل إنه لما حضرت أبا العباس الوفاة أمر الناس بالبيعة للمنصور، فبايع الناس له بالأنبار في اليوم الذي مات فيه أبو العباس، والذي بايع عنه عيسى بن موسى. سياسة المنصور: -0لخص المنصور سياسته قائلا: ما أحوجني أن يكون عل بابي أربعة نفر، لا يكون على بابي أعف منهم، هم أركان الدولة ولا يصح الملك إلا بهم: -قاض لا تأخذه في الله لومة لائم. -وصاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي. -وصاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية. -أما الرابع: فعض على أصابعه ثلاث مرات وهو يقول: آه.. آه .. فقيل من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب إلي بخير هؤلاء على الصحة. أهم الأحداث في عهده: 1-خروج عبد الله بن علي: كتب المنصور إلى عمه عبد الله بن علي يعلمه بوفاة السفاح وأن يأخذ له البيعة وكان واليا على الشام ومصر لكن عبد الله قام ودعا لنفسه، ثم أخذ حران، فأرسل إليه المنصور أبا مسلم الخرساني من الأنبار فتحاربا نحوا من خمسة أشهر، انهزم بعدها جيش عبد الله. 2-قتل أبي مسلم الخرساني: حينما انهزم عبد الله بن علي، أرسل المنصور أبا الحضيب يقطين ليحتاط على ما أصاب الخرساني من غنائم فغضب أبو مسلم فشتم أبا جعفر وهم بقتل يقطين لكنه تركه لأنه رسول وعاد أبو مسلم إلى خرسان وولى على الشام ومصر، ولما كان أبو مسلم في الطريق طلب لقاءه فأبى، فأرسل المنصور إلى إبراهيم بن خالد نائب خرسان في غيبة أبي مسلم قائلا: إن ولاية خرسان لك ما بقيت فقد وليتكها وعزلت عنها أبا مسلم. وبعد خديعة من أبي منصور ذهب أبو مسلم إلى المنصور فلما دخل أبا مسلم على المنصور من العشي أظهر له الكرامة والتعظيم. ومكر به المنصور وحاك له مؤامرة فخرج الموكلون بقتله فقتلوه ثم أمر بإلقائه في دجلة وكان مقتله يوم الأربعاء لأربع بقين من شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة. 3-القضاء على الرواندية: في سنة إحدى وأربعين ومائة أتى الراوندية (وهم إحدى الطوائف الضالة) قصر المنصور بالهاشمية فجعلوا يطوفون به ويقولون: هذا قصر ربنا فأرسل المنصور إلى رؤسائهم فحبس منهم مائتين لكنهم اقتحموا السجن واستخرجوا أصحابهم فقام الناس إليهم ونزل المنصور معهم ومعه معن بن زائدة فقاتلوهم وحصدوهم عن أخرهم ولم يبق منهم بقية. 4-أمر طبرستان: وفيها نقض إصبهند طبرستان العهد وقتل من ببلاده من المسلمين، فانتدب له المنصور خازم بن خزيمة وروح بن حاتم وأبو الحضيب مرزوق مولى المنصور فحاصروه في قلعته وطال الحصار حتى احتال مرزوق حيلة فدخل الحصن بأمان الإصبهند، ففتح الحصن للمسلمين فدخلوه فمص الإصبهند سما في خاتمه فهلك. أهم أعماله: بناء بغداد: اتخذ أبو جعفر منذ بداية حكمه من الأنبار، عاصمة أبي العباس مركزا مؤقتا له. فهو لا يأمن الكوفة ولا البصرة، وكان يبحث عن مكان ذو صفات استراتيجية يكون عاصمة للدولة العباسية. وبعد تجوله في أرض العراق اختار موقع مدينة بغداد الحالية وجمع المهندسين من كل أرجاء الدولة وأمر بإعمال البناء على الضفة الغربية من نهر دجلة وكان ذلك في سنة خمس وأربعين ومائة ابتدأ المنصور في بناء بغداد ووضع أول لبنة بيده، فقال: بسم الله وبالله والحمد لله، ابنو على بركة الله. وكان المنصور قد أحضر الصناع والفعلة من البلاد وأحضر المهندسين والحكماء والعلماء وكان ممن أحضر: حجاج بن أرطأة، وأبو حنيفة، ورسمت له بالرماد بسورها وأبوابها وأسواقها، ثم أمر أن يعمل على ذلك الرسم. في صفر من سنة ست وأربعين ومائة تحول المنصور فنزل بغداد قبل استتمام بناءها وكان لا يدخلها أحدا أبدا راكبا. وفاته: في سنة ثمان وخمسين ومائة خرج المنصور إلى الحج فلما جاوز الكوفة بمراحل أخذه وجعه الذي مات به وكان عند سوء مزاج فاشتد عليه من شدة الحر فأخذه إسهال وأفرط به، ودخل مكة فتوفى بها ليلة السبت لست مضين من ذي الحجة وصلى عليه ودفن بكدا عند ثنية باب المعلاة التي بأعلى مكة وكان عمره يومئذ ثلاثا وقيل أربعا وستين سنة. من أقواله :- قال المنصور: الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه. وفي خلافته شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير، فصنف ابن جريج بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيره بالبصرة وسفيان الثوري بالكوفة وصنف ابن إسحاق المغازي وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي وكثر تدوين العلم وتبويبه ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس وظهر في زمن خلافته كبار الأئمة في كثير من العلوم خاصة الشرعية منها.